بناء طريق الوحدة المشروع الموحد أرضا وإنسانا
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، غدا الجمعة، الذكرى السابعة والستين لإعطاء انطلاقة أشغال بناء طريق الوحدة، المشروع الوطني الكبير الذي يهدف إلى ربط شمال المملكة بجنوبها، والذي يعتبر ملحمة تاريخية بارزة تجسد تعاون وتضامن الشعب المغربي لبناء مغرب حر ومستقل.
فمنذ عودة بطل التحرير والاستقلال، جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن، وجه جلالته، رحمه الله يوم 15 يونيو من مدينة مراكش، نداء ساميا إلى الشباب المغربي لاستنهاض الهمم وإذكاء العزائم من أجل التطوع في إنجاز هذا المشروع الوطني الكبير في الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من نقص الموارد بعد عقود من الاستعمار.
وغداة الاستقلال، كان المغرب يتوفر على شبكة طرقية يصل طولها إلى حوالي 20 ألف كلم، إلا أن توزيعها الجغرافي عبر التراب الوطني لم يكن شاملا لكل المناطق، وهو ما جعل جلالة المغفور له محمد الخامس يبادر إلى نهج سياسة مقدامة، في مجال التجهيزات الطرقية، من أجل تغيير البنيات الوظيفية التقليدية للطرق التي كانت ترتكز في السابق على خدمة مصالح المستعمر.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضحت النائبة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتاونات، كنزة علالي، أنه وعيا من جلالة المغفور له بمشكل ندرة وقلة الموارد التي يتوفر عليها المغرب غداة الاستقلال، استطاع جلالته أن يدبر هذا الأمر ببراعة كبيرة من خلال العمل على فكرة التطوع ".
وأشارت إلى أن "فكرة التطوع حاضرة في الثقافة المغربية والتاريخ الإنساني المغربي، وتعتبر من أهم تيماته التاريخية"، مشيرة إلى المثال الشهير المتعلق بفاطمة الفهرية التي تبرعت بمالها الخاص لبناء جامع القرويين الذي درس فيه الطلاب من كل بقاع العالم وليس المغرب فقط.
وأفادت السيدة علالي بأن هذا الطريق الذي يربط بين مدينة تاونات وكتامة على مسافة 80 كيلومتر أطلق عليه اسم "الوحدة" على اعتبار أنه يربط بين منطقة الشمال، التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني، ومنطقة الجنوب، التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، قبل الاستقلال.
وأبرزت أن "الأمر يتعلق بمشروع لم يكن مخططا له، بل بحلم راود المغاربة ملكا وشعبا"، مسجلة أن هذا المشروع شكل "رسالة قوية" من المغاربة إلى العالم تؤكد قدرتهم على تطوير بلادهم وتنميتها بمفردهم دون الحاجة إلى وصاية أي بلد آخر".
وتابعت النائبة الإقليمية للمقاومة بأن "أزيد من 12 ألف شاب مغربي شاركوا في بناء طريق الوحدة، وبجانبهم جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه الذي كان آنذاك وليا للعهد، الذي لم يمنعه ارتفاع درجات الحرارة والجبال الوعرة من المشاركة في بناء هذا الطريق، معطيا بذلك القدوة والمثال للشباب".
وقد تجند لهذا المشروع 4000 شاب في كل شهر طيلة الأشهر الثلاثة للفترة الصيفية، وتلقوا بالمناسبة دروسا تربوية وتداريب ميدانية وعسكرية، وذلك تجسيدا لفكرة التجنيد والخدمة المدنية لبناء المغرب الحر المستقل.
وصباح يوم الجمعة 5 يوليوز 1957، أعطى جلالة المغفور له محمد الخامس انطلاقة الورش الوطني لطريق الوحدة، معاينا على متن سيارة "جيب" معالم الطريق، كما أدى جلالته رحمه الله صلاة الجمعة بايكاون.
وأكدت السيدة علالي أن "هذه الذكرى ترمز إلى قيم التبرع ونكران الذات من أجل بناء وتحديث الوطن"، مذكرة بأن الشباب المغاربة توافدوا من جميع جهات المملكة استجابة لدعوة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه.
وفي مستهل شهر أكتوبر 1957، كان المغرب على موعد مع الحدث التاريخي المبشر بانتهاء أشغال طريق الوحدة، في غمرة الاعتزاز الوطني بهذه المنجزة الكبرى والتي تكللت بخطاب جلالة المغفور له محمد الخامس، في حفل استعراض متطوعي طريق الوحدة، حيث خاطب جلالته جمهور المتطوعين بقوله طيب الله ثراه: "لكم يطفح قلبنا سرورا وابتهاجا ونحن نجتمع بكم اليوم، وقد تكللت أعمالكم، ولله الحمد، بالنجاح وبرزت للعيان نتائج جهودكم وأشهدتم العالم على أن أبناء المغرب إذا تحملوا مسؤولية، قاموا بها خير قيام، وإذا اتجهت همتهم إلى غاية مهما عظمت وعسرت، فلا بد أنهم بالغوها".
وأضاف جلالته، معتزا بهذا الانجاز التاريخي الخالد، مبرزا دلالاته بقوله: "بفضل هذه الطريق المباركة، تضاعفت وسائل الاتصال بين الشمال والجنوب، وتم التوحيد بينهما على صورة أكمل، ذلك التوحيد الذي طالما كافحنا من أجله وتحرقنا شوقا إلى استرجاعه، وأي دليل أقوى على تعلق المغاربة بوحدتهم من هذه المشاركة في أعمال المتطوعين التي قام بها سكان هذه المناطق بحماسة وإيمان".