فسحة رمضانية سفر في ذاكرة القاعات الضائعة القاعات السينمائية في الحقبة الاستعمارية في فاس الحلقة 3


فسحة رمضانية  سفر في ذاكرة القاعات الضائعة  القاعات السينمائية في الحقبة الاستعمارية  في فاس  الحلقة 3
أفريكا فور بريس - محمد التهامي بنيس

      ظهرت القاعات السينمائية في المغرب، في أشكالها الأولية، بعدة مدن، ومن أجل التحكم فيها، وفي هندستها وتجهيزاتها، وفي تدبير شؤونها واختيار عروضها، أصدر المستعمر، بتاريخ 16 أبريل 1916، قانونا ينظم العمل فيها كقاعات تجارية.

وينص القانون على أن " فتح مؤسسة سينمائية ثابتة أو متنقلة  بعد إذن صادر عن السلطة الإدارية وبناء على طلب كتابي"، ويحدد هذا المرسوم، أيضا، شروط الرقابة، والتي تحظر إسقاط أي شيء قد يقوض الأخلاق والنظام العام، " فبدأت الشركات الأجنبية – وعلى رأسها الفرنسية – تتهافت على إنشاء قاعات وغرف وحدائق ، لعرض الأفلام ، وتحج إلى فاس، كما إلى مدن المغرب وقراه،  لتصوير الأفلام في زخرفة طبيعية dicoration ، فتم إخراج أول فيلم روائي طويل سنة 1919 بعنوان "مكتوب " وتلته سلسلة أفلام ، تحت ستار ما  اصطلح عليه السينما الكولونيالية  أو خارج هذا التصنيف، ومنها شريط يطو1934، وتم إحداث أول مختبر لتحميض الأفلام بالدار البيضاء من طرف شركة " سينيفون سنة 1939 .

 وفتحت استوديوهات السويسي  أبوابها 1944، كما تم في نفس السنة، تأسيس المركز السينمائي المغربي كمؤسسة عمومية وصية على قطاع السينما بالبلاد، وهذا ما ساهم في انتشار القاعات السينمائية في مختلف المدن، وبالتدرج تولدت معها الأندية السينمائية، ثم المهرجانات السينمائية، والتكوين السينمائي،  وازدياد عدد ممتهني مجال السينما، وتنوع الإنتاج والمنافسة الخلاقة، لكن هؤلاء النشطاء اصطدموا، اليوم، بنقص قاعات العرض لحد الغياب التام في بعض المناطق، فغابت بالتدريج هذه الأنشطة لتتيح المجال للمهرجانات السينمائية الوطنية والدولية والقارية والموضوعاتية، كنقطة ضوء تشيع فنونا واستقطابا .

والحديث عن قاعات فاس، يلزمنا بذكر أنه لم يتم الحفاظ عليها كافة، اللهم الحفاظ على واحدة كانت تسمى أمبير، وثانية لعلها تعاد لها الحياة حيث تخضع للإصلاحات، وتسمى بوجلود وقد ينالا يوما نصيبهما من عودة هذا الإشعاع لهما وللمدينة

وقد أكّد المصور فرنسوا بوران، في شرحٍه لزوار معرض له بفاس، دام لغاية 27 يوليوز 2022 ، * 3 - أنَّ "المغرب يحتوي على كنزٍ مهمٍّ من القاعات السينمائية، التي تشكّل تراثاً مادياً يوثّق نمط المعمار خلال القرن 20  في إطار ما أسماه ، رفع مستوى الوعي الجماعي وفتح نقاش حول مستقبل هذا التراث المعماري من دور السينما المغربية، من أجل المحافظة عليها وضمان استمراريتها " وقال: أشهد على تراث استثنائي فريد من نوعه في العالم، وتم الترحيب بالمبادرة، لأنها سدت الفراغ الذي رافق الحدث عن القاعات سواء في مرحلة الاستعمار أو في مرحلة الاستقلال 

إن حديثنا عن قاعات فاس السينمائية، هو كما يرتبط بالتأريخ لإنشائها، وشكل هندستها ومعمارها سواء لإدخال طابع المعمار الغربي / الفرنسي ، أو مراعاة طابع المعمار الفاسي / المغربي، هو، أيضا، يرتبط بذكريات شخصية، وعلاقات اجتماعية من رفقة، وصداقة، وحب وعمل وبحث عن الذات، واستمتاع بالفضاء، بل وكان البعض يعتبرها فرصة للهروب من قيود البيت وسلطة المجتمع والتنفيس من ثعب الثانوية، بل وكم بنينا فيها من أحلام مستمدة من أبطال العروض المميزة والمؤثرة ، بل وكانت تمنحنا إمكانية تحليل العروض ومتعة الحديث عن الأفلام سردا ونقدا وإضافات واستطرادات، غير عابئين لشكل وهندسة قاعة العرض ، ولا مهتمين بصيانتها وظروف الفرجة داخلها   .

وحديثنا عن القاعات بنوعيها الشعبي والراقي وساعات العروض الخاصة بأثمان مخفضة، وساعات العروض الصباحية لفائدة الأطفال زيادة على العروض التربوية على قلتها، يذكرنا بأسلوب الوعي الاجتماعي والثقافة السينمائية، ولكنها كلها تبعث الآن على الحسرة من غيابها نتيجة غياب القاعات بالإهمال أو الإغلاق أو الهدم، بغض النظر هل هي بنايات للمستعمر في فترة الحماية، أو هي بنايات محلية على الطراز المغربي ومن إنشاء مغاربة، وهل كان بعضها بحق يرقى لأن يكون تراثا معماريا؟

اترك تعليقاً