تحديات التضخم تخيم على مضامين مشروع الميزانية لسنة 2024 بالبرتغال
يبدو أن الظروف التي يجري فيها إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024 بالبرتغال، وعلى غرار السنوات الثلاثة الماضية، لم تتغير كثيرا، حيث سيظل مشروع هذا القانون الذي سيعرض على أنظار الجمعية الوطنية الجمهورية خلال الأسابيع القليلة المقبلة مرهونا بنفس الشروط التي تحكمت في إعداد سابقيه.
وبحسب خبراء في الاقتصاد بهذا البلد، فإن ثمة خمسة تحديات أساسية تواجه وزير المالية في الحكومة الاشتراكية، فرناندو ميدينا، وهو بصدد التحضير لهذا المشروع، تتعلق أساسا بتباطؤ نسبة النمو من أجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي، ومواجهة التضخم وتداعياته على الاقتصاد، وإشكالية الرفع من الأجور في ظل تزايد الاحتجاجات الاجتماعية في صفوف عدد من الفئات الاجتماعية، فضلا عن ارتفاع أسعار خدمة الديون، وأسعار المباني المعدة للسكن وانعكاسات ذلك على القدرة الشرائية للسكان.
علما أن بعض هذه التحديات، كما هو الأمر بالنسبة لتباطؤ الإقلاع الاقتصادي، كانت متوقعة منذ عدة شهور بالنظر للظروف التي تعيشها البرتغال كعديد البلدان الأخرى، الأوروبية وغير الأوروبية، في ظل سياق دولي ضاغط، وخاصة باستحضار الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعياتها، قبل أن يتعزز هذا السيناريو أكثر في ظل التوقعات الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية الرئيسية بالبرتغال.
فقبل أسبوع فقط، كان البنك المركزي البرتغالي قد راجع توقعاته بخصوص آفاق نمو الإنتاج الداخلي الخام، والذي حدده في 1,4 في المائة فقط خلال سنة 2024.
ورغم أن الانتعاشة التي عرفها الاقتصاد البرتغالي خلال السنة الجارية والسنة التي قبلها، وخاصة في ظل الأرقام الإيجابية التي سجلها القطاع السياحي خلال السنة الماضية، كان يراهن عليها في معالجة إشكالية انخفاض الطلب الداخلي، وتراجع الضغط على أسعار الطاقة، وكذا خفض التضخم، فإن ذلك لم يكن كافيا للتخفيف من الضغوط على الحكومة وهي بصدد التحضير لأهم وثيقة اقتصادية.
فأقل التقديرات تفاؤلا تعتبر أن نسبة التضخم خلال السنة القادمة لن تقل عن 2 في المائة، وأن كل رفع من كتلة الأجور أو من التقاعد لما يزيد عن 2 في المائة سيبدو "خطوة غير مسؤولة"، وفقا لتعبير الاقتصادي جواو بورجيز دي أسانساو، منسق مختبر التوقعات بلشبونة.
وزير الاقتصاد والبحار البرتغالي، أنطونيو كوستا سيلفا نفسه بدا مدركا لهذه التحديات، حيث أكد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة يتمثل في مواجهة احتمال تباطؤ النمو، وذلك بالنظر للسياق الدولي الصعب للغاية، المطبوع بالتوترات، لاسيما الحرب الروسية-الأوكرانية والأوضاع في الشرق الأوسط وتداعيات ذلك على أسواق الطاقة.
نفس الرأي يتقاسمه مدير مكتب الدراسات بمنتدى التنافسية، بيدر براز تيكسيرا، الذي اعتبر أن الوضع الخارجي يتدهور، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذا الوضع من المنتظر أن يزيد تدهورا في ما تبقى من السنة الجارية. واعتبرا أن "التوقعات في ما يخص قانون المالية الذي يجري إعداده يجب أن تكون واقعية، وأن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى تحضير أنفسنا لسيناريوهات أكثر سوءا".
ووفقا للمتحدث، فإن "الرفع من الأجور يبدو هو الآخر موضوعا مقلقا بالنسبة للحكومة في الظرفية الراهنة، في ظل الاستياء واسع النطاق من حالة الخدمات العامة، التي تقوضها بشكل خطير التخفيضات في الاستثمار العام، والإضرابات المتوقعة التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضعية. علاوة على تدهور القدرة الشرائية منذ سنة 2022، وانخفاض معدل البطالة، والصعوبات المسجلة في مجال التوظيف، خاصة في مجال التعليم والصحة. وهي كلها، بحسب المتحدث، قضايا يمكن أن تؤدي إلى تأجيج صراعات كبرى، وقد يكون من الصعب على الحكومة إدارتها".
إلى جانب ذلك، يطرح أيضا موضوع السكن، الذي ظل خلال السنتين الأخيريتين من أعقد القضايا الاجتماعية التي تؤرق بال الحكومة والمواطنين على حد سواء، في ظل الارتفاع المهول الذي يعرفه سوق العقار في هذا البلد.
ففي رأي العديد من الخبراء الاقتصاديين بهذا البلد، فإن هذا الموضوع، الذي لم تنفع معه التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال السنة الجارية والتي قبلها، يحتاج إلى حلول بنيوية، كما يتطلب، وبضرورة أساسية، "توافقا سياسيا" حوله في ظل الخلافات الحادة التي يثيرها في الوقت الراهن بين القوى السياسية الممثلة في الجمعية الوطنية الجمهورية.
ففي تقدير الخبير الاقتصادي جواو بورجيز دي أسانساو، فإن الحل الأمثل هو تعيين لجنة تكون مهمتها إعداد "كتاب أخضر" حول سوق العقار، لأنه سيكون ضربا من الخيال الرهان على حل هذا الإشكال من خلال قانون المالية.
تأثير هذه التحديات قد ظهر واضحا في مسودة مشروع قانون المالية للسنة القادمة، حيث تبرز التقديرات التي أعدتها الحكومة أن تدابير السياسة المالية المقرر تنفيذها برسم السنة المقبلة ستتأثر بما يقارب 5.532 مليون يورو، 5.144 مليون يورو على مستوى تقديرات الإنفاق، و388 مليون يورو على مستوى الواردات.
لكن مع كل هذه الإكراهات الاقتصادية، فإن الحكومة البرتغالية تتوقع تحسنا في العجز بنسبة 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام و0.2 في المائة لعام 2024، وتحقيق أفضل توازن للميزانية في تاريخ البلاد هذا العام، وانخفاض في نسبة الدين العام إلى 103 في المائة هذا العام، و98.9 بالمائة في 2024، للمرة الأولى منذ العام 2009.