ضرورة التفكير في إطار قانوني لضبط استعمالات الذكاء الاصطناعي
في خضم الحديث عن الذكاء الاصطناعي بين مدافع عن تقنيات استعماله كضرورة لمواكبة التطورات المتسارعة ، وبين رافض يعتبر هيمنه استلابا للعقل البشري ، وبين من يدعو لاستعماله مع إلزامية تقنين هذا الاستعمال . جاءت محاولة أفاينو لتحاول إيضاح ذلك . وهي تركز على أنه يتأكد يوما بعد آخر، أن العالم بأسره، مقبل على مرحلة جديدة ومثيرة بفعل التحولات الناجمة عن الثورة التكنولوجية، وفي مقدمتها تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتسارعة، المتجهة نحو إعادة صياغة الحضارة الإنسانية بملامح جديدة، وبشكل لا يخلو من مخاطر من شأنها أن تهدد قيم وحقوق الأفراد والمجتمع.
ويثير حسني أفاينو تساؤلات عديدة تطرح بهذا الخصوص من قبيل: "هل دخلنا زمن اللا يقين؟" و"هل ستؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الشك في كل شيء؟"؛ غير أنه من المؤكد أن هذه التقنيات تعد رافعة قوية في مجالات حيوية متعددة، بما في ذلك التعليم والصحة والبيئة والثقافة والتجارة وغيرها، لكنها تثير في الوقت نفسه العديد من الهواجس المشروعة حول مخاطرها على الأفراد المجتمعات على حد سواء، مما يحتم ضرورة البحث في سبل ضبط هذه التكنولوجيا ذات الحدين، والتشريع لأخلاقيات استخدامها.
وتشير إلى أن البحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي يعود إلى أكثر 40 سنة مضت، مستشهدا بقول مروان هرماش الخبير في الأمن المعلوماتي والرقمي، قبل أن تخرج من مختبرات ومعامل البحث، ويتعرف عليها الجمهور في عام 2022. الذي لفت الانتباه إلى أن دائرة مخاطر الذكاء الاصطناعي "عبارة عن قارة جديدة يجري استكشافها رغم هذه السنوات من البحث"، اعتبارا لتعدد تطبيقاتها ومناحي استغلالها في مجالات مختلفة. معتبرا أن "التخوف الحاصل اليوم هو أن الجريمة العابرة للقارات وكذا مخترقي المنظومات المعلوماتية (الهاكر) والأشخاص أو المنظمات ذات النوايا المبيتة والسيئة يستخدمون هذه التطبيقات سواء على مستوى الأفراد أو من قبل مجموعات الإجرام، بل إن استعمالها بدأ بالفعل في كل ما يتعلق بحروب الجيل الرابع (الحروب غير التقليدية) والحروب الرقمية ومهاجمة الدول أو المصالح المعادية".
ويبدو أن مسألة تأطير استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعد، وفق العديد من الخبراء، معضلة عالمية تقتضي تفكيرا من نفس المستوى. وفي هذا الإطار يوضح خبير الأمن المعلوماتي والرقمي أنه يمكن أن تتوحد مجموعة من الدعوات تحت مظلة الأمم المتحدة أو المؤسسات القارية أو الجهوية من أجل إحداث "مدونة أخلاقية" (code d'éthique) تضم مجموعة من القواعد القانونية لتأطير استعمال هذه التطبيقات سواء على المستوى الشخصي أو التجاري أو على صعيد الدول.
وكما هو الحال بالنسبة للأنترنيت والهواتف الذكية اللذين أصبحا متاحين للعموم، بما يجعلهما أداتين قابلتين للتسخير إيجابيا أو سلبيا، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي على نفس المنوال، يوضح مروان هرماش، لا تخلو من انزلاقات محتملة كاستعمالها في الترويج لأخبار زائفة وصور مفبركة، والتي كانت موجودة من قبل، لكن طرق وتقنيات استعمالها كانت مقتصرة على مجموعة من الأشخاص الذين كان بإمكانهم استعمال هذه الأدوات، أما اليوم فقد اتسعت دائرة مستعملي هذه الأدوات وسهل الولوج إليها.
أما سبل حماية المجتمع وتمنيعه من مخاطر هذا النوع من التكنولوجيا، فالأمر يستوجب، تأطير هذا الاستعمال عبر تضافر جهود مؤسسات الدولة والمدرسة والمجتمع المدني و الإعلام لحماية المجتمع من مساوئ استعمال تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتنامية على نحو متسارع، والتي لم يعمم لحد الآن سوى جزء منها، والعمل في المقابل على الاستفادة منها في تطوير وتنمية القطاعات الحيوية التي تخدم المجتمع كالطب والجراحة والتعليم وغيرها.
ويضيف أنه في المغرب "مازلنا مستهلكين فقط ولا ننتج هذا النوع من تطبيقات الذكاء الاصطناعي"، مشيرا إلى وجود شركات ومؤسسات بدأت في استعمال الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة الزبناء والرد على استفساراتهم، فضلا عن وجود مواقع لمغاربة في هذا المجال تستخدم لتلخيص النصوص وتقديم بعض الخدمات الأخرى.
وشدد الخبير على ضرورة إدخال الذكاء الاصطناعي كمادة تدرس في المدارس للتشجيع على البحث العلمي والإسهام في التطور الاجتماعي والاقتصادي مع التفكير من الآن في إطار قانوني لضبط استعمال تقنياته، وحماية الأفراد والمجتمع والأمن من مخاطره.