الورش الملكي لإعادة تأهيل المدينة القديمة لمكناس يعيد النبض لساحة الهديم
تتعدد المواقع والمآثر التاريخية بالعاصمة الإسماعيلية، ومنها ساحة الهديم الحاملة لدلالات تاريخية وحضارية، تعكس تفرد مدينة مكناس.
وفي سياق عملية إعادة تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لمكناس، وذلك في إطار الورش الملكي الكبير، استفادت هذه الساحة التاريخية من عملية تجديد، إذ سيتم إعادة فتحها قريبا في وجه العموم.
وارتبط اسم ساحة الهديم، وفق المؤرخين، بتخزين أطنان من الأنقاض بها أثناء إعادة بناء المدينة العريقة التي يبلغ عمرها ألف سنة.
وقد أعطى مرور الزمن على هذه الساحة الرائعة، سحرا لا يقاوم، خاصة وأنها محاطة بجزء من الأسوار الفخمة والمهيبة للسلطان مولاي إسماعيل، يطل عليها باب المنصور، أحد أجمل البوابات في العالم، والذي كان المدخل الرئيسي للقصر الذي تم تشييده للسلطان مولاي إسماعيل، والذي تتحدى أسواره تقلبات الزمن حتى الآن، وتضم حوالي عشرين بابا بأبعاد مختلفة، وهو الآن والوجهة المفضلة للسياح الذين يختارون زيارة العاصمة الإسماعيلية.
وبالإضافة إلى أبعادها المعمارية والتاريخية، تشتهر الهديم أيضا بكونها منطقة تجارية مجاورة للسوق الكبير المغطى " قبة السوق ". كما أنها تنبض بالحياة عند الغروب مع الحكواتيين ومروضي الحيوانات إلى جانب صانعي الفرجة، الذين يخلقون أجواء احتفالية شبيهة بأجواء جامع الفنا بمدينة مراكش.
وبالنسبة إلى نائب رئيس اللجنة الوطنية المغربية للمجلس العالمي للمباني والمواقع التاريخية (إيكوموس-المغرب)، عبد العالي بوزيان، فإن هذه الساحة تعتبر، اليوم، وجها سياحيا وتراثيا وتاريخيا للعاصمة الإسماعيلية، وهي التي استفادت في السنوات الأخيرة من برنامج إعادة التأهيل الرامي بصفة خاصة إلى تثمين وإحياء التراث التاريخي للمدينة من خلال مكون الساحات التاريخية.
وأوضح السيد بوزيان، في تصريح، أن أهمية هذا المكان تأتي من الدور الذي لعبه في تاريخ مكناس، خاصة وأن قيمته تنطوي على العديد من الخصوصيات المتعلقة بالكنوز الحية، وبالتقاليد، وبمعارف ومهارات الأجداد، معربا عن أمله في إتمام أشغال إعادة تهيئة ساحة الهديم في احترام تام لرؤية تراثية ترمي إلى إعادة الهالة التي كانت تتميز بها، والحفاظ على الخصوصيات الفنية واللامادية وكذلك الرمزية التاريخية التي تتسم بها.
وتطرق كذلك إلى مختلف مراحل التطور التي مرت بها هذه الساحة الأيقونية، منذ إنشائها من طرف السلطان مولاي اسماعيل سنة 1672، وكذا لأدوارها الاقتصادية والاجتماعية التي لعبتها على مدى قرون، لاسيما وأن الهديم تعد رمزا للوطنية وللكفاح من أجل الاستقلال.
أصالة هذه الساحة وباقي الآثار التاريخية التي تزخر بها العاصمة الاسماعيلية، جعلها تصنف ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو سنة 1996.
ويتم تنفيذ برنامج ضخم لإعادة تثمين وتأهيل مدينة مكناس، وفقا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويتعلق الأمر بإعادة تهيئة 54 موقعا موزعا على عدد من المكونات. وقد تم، بالفعل، إتمام جزء كبير من أعمال إعادة التهيئة.
وتشمل هذه الأشغال، بالأساس، ترميم وإعادة تهيئة قصر المنصور، وثلاثة معالم تاريخية مهمة، وترميم وإصلاح 14 بوابة تاريخية، وترميم جدران تاريخية تمتد لأكثر من 12 كلم، وإعادة تهيئة ساحتين تاريخيتين، و3 مساجد ومدارس عتيقة و4 أبراج، بالإضافة إلى 8 سقايات تاريخية، وتهيئة 3 مرائب للسيارات بسعة 800 عربة، وترميم وإعادة تأهيل 7 فنادق و"قيساريات"، وإحداث 4 مدارات سياحية، والعديد من تجهيزات للقرب.
وقد تم الانتهاء، فعلا، من أشغال ترميم ساحة الهديم، حيث الاستعدادات جارية من أجل إعادة افتتاح هذا الموقع التاريخي الشهير في العاصمة الإسماعيلية.
وفي هذا الإطار، عقد مؤخرا اجتماع بين رئيس جماعة مكناس، وأرباب المحلات التجارية المطلة على ساحة الهديم قصد تدارس دفتر التحملات الخاص بهذه المحلات، في انتظار انتهاء أشغال إعادة تأهيل باب منصور، الذي يعد إحدى التحف التي تؤثث هذا المكان الغارق في التاريخ.