القرآن في عيون الآخرين من خلال معرض أوروبي متنقل


القرآن في عيون الآخرين من خلال  معرض أوروبي متنقل
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      تحتضن دار الكتب الوطنية بتونس العاصمة إلى غاية 30 أبريل المقبل، معرضا متنقلا اختير له في طبعته التونسية عنوان "القرآن في عيون الآخرين"، وهو ثمرة مشروع بحثي أوروبي حول سياقات وصول القرآن إلى القارة العجوز، وأثره وتأثيره فيها، ما بين القرنين 12 و19.

 ويتناول المعرض مقاربات وتأويلات القرآن داخل المشهد الديني والسياسي والفكري في أوروبا، منذ العصور الوسطى، عبر أروقة تعرض مخطوطات أصلية ومصورة، وكتبا مطبوعة الى جانب أعمال فنية ووسائط رقمية، لتمكين الزائر من تكوين فكرة عن "سبل الاطلاع على القرآن في أوروبا وقراءته المتنوعة".

هذا المعرض، الذي يعد نافذة يطل منها الجمهور غير المتخصص على خلاصات مشروع البحث الأوروبي" القرآن في اوروبا"، يقدم نظرة عن تاريخ ترجمة القرآن الكريم إلى مختلف اللغات المستخدمة في القارة استجابة لحاجات فكرية وفلسفية، ولمتطلبات المحاججة بين المذاهب المسيحية (البروتستانت والكاثلويك)، أوبين اليهودية والمسيحية، وخصوصا لتلبية احتياجات ما يمكن وصفه بمؤسسة "التبشير" (نشر المسيحة في ديار الاسلام)، والذي سبق وواكب المد الاستعماري الأوروبي في العالم الإسلامي والعربي بشكل خاص.

فمن بين النسخ المعروضة ترجمة كاملة للقرآن الكريم إلى اللاتينية أنجزها المستشرق الإيطالي لويس ماراتشي، نشرت في بادوفا عام 1698، وهي ترجمة قدمت على أنها "غير عادية من حيث احتواؤها على النص العربي المنطوق.

وقد تستوقف الزائر، أيضا، أول ترجمة للنص القرآني باللغة الإنجليزية تستند مباشرة الى النص العربي، قبل أن يطلع، عبر إحدى المواد التفاعلية، على كيف أن نسخا من أجزاء القرآن وصلت إلى أوروبا عبر شبكة اتصالات بروتستانتية امتدت عبر القرن 17 من القاهرة ألى سويسرا وألمانيا وانجلترا

ويؤكد القائمون على المشروع البحثي، أن للقرآن تأثيرا كبيرا في مختلف المجتمعات الأوروبية، على الرغم من الصورة الشائعة عن كونها مسيحية خالصة: فعلى مر القرون، كما جاء في إحدى النصوص المعروضة، تم تأويل القرآن وتكييفه واستخدامه من قبل المسيحيين واليهود الأوروبيين، والمفكرين الأحرار، والملاحدة، والمسلمين الاوروبيين ممن كانوا غالبا على اتصال وثيق بالعالم الإسلامي. 

وفي محطته التونسية (سبق أن أقيم في مدن أوروبية)، اختار القائمون على المعرض أن يكون أول ما يصادف زائره بعضا من نسخ القرآن الكريم التي أنجزت وحبست في تونس، والتي نهب العديد منها، خصوصا، خلال الغزو الإسباني سنة 1535، لتصبح، اليوم، موزعة ما بين مؤسسات متحفية، وأرشيفية عبر العالم.

وتكاد كل نسخة من القرآن، أو ترجمة له، ضمها المعرض تشهد على سياق من سياقات تنقل نسخ القرآن بين ضفتي المتوسط، بشكل خاص، فيما يفسر رونق وجمالية كثير من المصاحف كيف كانت علاقة الأوروبي المسيحي مع المخطوط أحيانا علاقة بصرية حكمها الإعجاب بالخط والزخرف.

ومما يشد الزائر، خلال جولته بمعرض "القرآن في عيون الآخرين "، "سينوغرافيا" أن العرض في ظلام لا تنيره سوى إضاءة متأتية من نسخ وترجمات القرآن، فيما تنبعث بشكل مستمر تلاوة لآيات من القرآن الكريم.

كما أن ما يشد المتمعن في تاريخ ترجمة القرآن في أوروبا هو ذلك التفاوت الكبير في الفهم والإخلاص للنص القرآني، خصوصا وأن المعرض تضمن، أيضا، نصوصا عكست محاولات تفسير وتأويل للقرآن الكريم من قبل مسيحيين "مبشرين" و/أو مستشرقين.

هذا، ونظم معهد الأبحاث المغاربية المعاصرة بتونس عشية افتتاح المعرض، في منتصف فبراير الماضي، ندوة حول "الإسلام والقرآن في سياقات الاستعمار ومناهضة الاستعمار وما بعد الاستعمار". كانت مناسبة

لرصد مدى التغير الذي حدث في دوافع الاطلاع على القرآن وفهمه من فترة زمنية لأخرى، وأثارت كثيرا من الأسئلة، ومنها: سؤال "كيف يستقيم الجمع بين الحوار (مع مسلمين) والتبشير تحت قبعة واحدة؟" وأسئلة عن تأثر الفهم و"الحوار" المفترضين بالحدث السياسي وموقف الأطراف منه، ومحاولات "الحوار" المتأخرة بين أشخاص، أو مجموعات من أوروبا ومن العالم الاسلامي، بتبعات بروز القضية الفلسطينية وتجاهل أوروبا المسيحية، في عمومها لمظلمة ومأساة الشعب الفلسطيني.

يذكر أن المشروع البحثي "القرآن في أوروبا"، الذي موله، على مدى ست سنوات (2019-2025)، المجلس الأوروبي للبحث العلمي، أنجز من قبل فريق يقوده أربعة باحثين رئيسين هم مرسيديس غارسيا أرينال (مركز الأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بمدريد -إسبانيا) وجون تولان (جامعة نانت بفرنسا) وجان لوب (جامعة كوبنهاغن بالدانمارك) وروبيرتو توتولي (جامعة نابولي -الشرق بإيطاليا).                  

اترك تعليقاً