فاس تشهد عرسا ثقافيا حول ابن عربي والرومي بلغة الموسيقى ولغات العالم


 فاس تشهد عرسا ثقافيا حول ابن عربي والرومي بلغة الموسيقى ولغات العالم صورة - أ.4.ب
أفريكا فور بريس - عياد اسويطط

      في إطار الدورة السادسة عشرة لمهرجان فاس للثقافة الصوفية، التأمت، أمس الأحد، وهو اليوم الثاني من التظاهرة التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، الملك محمد السادس، بقاعة الاجتماعات التابعة لعمالة فاس- المدينة، مائدة مستديرة تحت عنوان" ابن عربي وجلال الدين الرومي: حوار مستمر".

أجمعت التدخلات، التي قامت بها نخبة من المتخصصين، والمهتمين بالثقافة الصوفية، على أهمية التصوف في خلق مجتمع تسوده المحبة والإخاء، بين مختلف الأجناس والأعراق والملل، على اعتبار أنه يعود بالمرء إلى فطرته السليمة التي يلتقي فيها العقل والحدس لخلق معرفة إشراقية، هدفها معرفة الذات، التي تعني في الأخير معرفة الله، ومعرفة محمد عليه الصلاة والسلام، الواصلة محبته إلى التعرف على الخالق سبحانه.

ولعل ابن عربي وجلال الدين الرومي، المنتميين، جغرافيا، لمنطقتين متباعدتين: الغرب الإسلامي، بالنسبة للشيخ الأكبر، والمشرق الإسلامي، بالنسبة لمولانا جلال الدين الرومي، والملتقيين في التصور لدور المحبة في التعرف على العالم والوجود، يستحق أن الدراسة والتأمل. 

وقد أجمع المتدخلون، وبلغات مختلفة: العربية، والفرنسية، والإنجليزية، واستشهادات باللغة الفارسية من ديوان مولانا جلال الدين الرومي، على دور التصرف الإسلامي في خلق حوار متجدد بين الأمم. 

ففي مداخلة قيمة للمدير التنفيذي للإيسيسكو، عبد الإله بن عرفة، توقف عند مؤلف" ترجمان الأشواق" للشيخ الأكبر، وكتاب" فيه ما فيه" لمولانا، واللذين يتفقان على اعتبار الشعر يحقق "التوازن العرفاني"، لأن الشاعر هو ترجمان الحقائق، هو يؤدي "وظيفة نبوية".

إن الشعر، في منظور الصوفيين الجليلين، هو الوسيط بين البشر وخالقه، فالشعر ينشأ في عالم روحي، ثم ينزل "إلى طباق النفس، لتنقله إلى طباق السماع"، كما جاء في مداخلة السيد بن عرفة.

أما مداخلة السيد باري ميخائيل، من الولايات المتحدة، والتي كانت بلغة العام سام، فقارب موضوع اللقاء من زاوية التقاء الفكر (ابن عربي) مع الشعر (جلال الدين الرومي)، في زمن (القرن الثالث عشر) كان في الشرق مهددا في وجوده: حروب الاسترداد بالأندلس وهجوم المغول على بغداد.

فالشيخ الأكبر يعتبر الإنسان مكونا من جسم/ جسد يلتقي بالبشر، وروح تتجاوز البشر لتلتقي مع الخالق، ومولانا الذي يرى أن الحقيقة هي العرفان، والتي لا تغيب، أبدا، وهي التي ترفع الذات للالتقاء مع الكائن الملائكي، عكس الحقيقة الحسية/ الواقعية التي قد تختفي، ولا يمكن الركون إليها.

وقاربت التدخلات الباقية، موضوع المائدة المستديرة "ابن عربي وجلال الدين الرومي: حوار مستمر"، من خلال التركيز على مفهوم الحب عند المتصوفين، كما ذهب إلى ذلك الباحث كوميث الآتي من الولايات المتحدة، والذي أبرز دور الحب في معرفة الله" من عرف نفسه، عرف ربه"، وهي معرفة تمر بحب الإنسان لمحمد عليه الصلاة والسلام.

أما الباحثة التي تدخلت بلسان فرنسي، فركزت على ضرورة قراءة العارفين بالله، من خلال قراءة ما قبلهما من فكر جعل "الإنسان الكامل" هو الذي يعرف نفسه بالإنصات لمحمد عيه الصلاة والسلام الذي يتلقى القيقة المطلقة من ربه، لذلك، فمعرفة الله هي المعرفة المطلقة والحقيقية عند العارفين بالله، موضوع المائدة المستديرة.

وركزالباحث المغربي، الكنسوسي جعفر، المشترك عند ابن عربي والرومي، رغم الاختلاف في بلاد النشأة، وأبرز أن حوار الرجلين، من خلال ما ورد عنهما من مؤلفات، يجعل هذه المؤلفات متكاملة، وتمتح من ثقافة مشتركة.

ومن جانبه، ركز الباحث داود، على وجوب الربط بين العالم العربي وتركيا وبالد فارس والهند، لتجدد الحوار بين الشرق، حاليا ومستقبلا، كما كان في الماضي بين المتصوفة، الذي يبقى القنوي هو القناة الرابطة بين الجميع.

وبالنسبة لمولاي ادريس، الباحث المغربي، ف" اعرف نفسك بنفسك"، تتطلب الحوار بين الفيلسوف والشاعر الصوفي وعالم النفس: فالسياسي محتاج، بالضرورة، للشاعر للقيام بعمل صادر من القلب، عمل صادق، لأن الشعر موسيقى، والتي تعد الصوت الأول للإنسان.

وكل المداخلات، أضفى عليها مدير المهرجان، مسير المائدة المستديرة، السيد فوزي الصقلي، جوا روحانيا، حين "يترجم" للمداخلات بلسان غير عربي، فيقرب المضامين بلغة شفافة، تستحق التقدير والتنويه.

 

والأجمل، تمثل في المقطوعات الموسيقية التي، سبقت المداخلات، والتي أداها صوتي إفريقي آت من السنغال، ممثلا في سيني كامارا التي عزفت على آلة وترية، لا تعزف عليها ألا النساء، وفي ذلك دلالات رمزية تستحق البحث والتحليل.

فبصوت، ولاغة إفريقية محلية استطاعت كامارا أن تفرض صمتا مطبقا عل القاعة، ليسمع، فقط، صوتها وصوت الآلة التي انسجمت معها، بل وحتى اللباس التقليدي التي ارتدته الفنانة ذو اللون الأزرق يحيل على السماء، على عشق الذات الألهية.

ولم يكن الجمهور الذي بقي البعض منه واقفا، والآتي من مختلف بقاع العالم، والمنتمي لثقافات وملل متعددة، بأقل من التدخلات والفنانة، لأنه كان هناك تفاعل كبير بين مكونات القاعة.  

اترك تعليقاً