دولة الحق والقانون تستدعي تحديد المسؤوليات في مجال المالية العمومية
خلال ندوة دولية نظمها المجلس الأعلى للحسابات، اليوم
الخميس 22 فبراير الجاري، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس،
حول موضوع "نظام المسؤولية أمام الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: الحصيلة والآفاق"، قالت الرئيس الأول للمجلس إنه :" إذا كانت مسؤولية
المدبرين العموميين، خلال ممارسة الوظائف الموكلة إليهم، يمكن أن تثار في مجال
التدبير المالي العمومي في إطار مختلف أنواع المسؤوليات التقليدية السياسية
والمدنية والتأديبية والجنائية، فإن المسؤوليات التي يمكن أن تثيرها الأجهزة
العليا للرقابة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر تستأثر بأهمية خاصة، باعتبارها أجهزة
مهنية محايدة ومتخصصة وذات مصداقية في تدخلاتها".
وأكدت، بالمناسبة على الأهمية الفائقة التي يوليها صاحب الجلالة لإرساء دعائم الحكامة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن العام، وللدور الطلائعي للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في بلوغ هذا الهدف، وأنه بغض النظر عن اختلاف أجهزة الرقابة العليا على المالية العمومية من حيث طبيعتها، فإنها تتشابه من حيث الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، والمتمثل في تسجيل الفوارق مقارنة بالقواعد وكذا الاختلالات والخروقات بالنظر إلى القوانين والأنظمة، وكذا في تقييم الفعالية والكفاءة والاقتصاد في التدبير المالي بشكل يمكن، بحسب كل حالة، من اتخاذ الإجراءات التصحيحية وتحديد المسؤوليات أو اتخاذ إجراءات لتفادي أو جعل تكرار مثل هذه الممارسات في غاية الصعوبة .
ولذلك، وجب التأكيد على ضرورة العمل في المستقبل على الاستثمار الأمثل للطابع التعددي للمجتمع الدولي للأجهزة الرقابية وما يتقاسمه أعضاء منظمة الأنتوساي من قيم من أجل المزيد من توثيق روابط الصداقة والتعاون المهني والشراكة بين المؤسسات المعنية، لاسيما من خلال توسيع مجالات التقاسم والتواصل والاستفادة من مختلف التجارب ذات الصلة بنطاق ومجال مسؤولية المدبرين العموميين وقواعد إسنادها وأثرها على تحسين التدبير المالي العمومي.
أما رئيس منظمة الأنتوساي، ورئيس محكمة الحسابات الفيدرالية بالبرازيل، برونو دانتاس، فأكد، من جهته، أن هذا اللقاء يشكل فرصة للنقاش حول وضع إطارات قانونية ومهنية للمساءلة والمحاسبة خاصة في الإدارات العمومية من أجل ضمان حكامة جيدة، مشيرا إلى أن أجهزة الرقابة تعمل في إطار مهام لا بد أن تحكمها مبادئ وتكون لها نقط مشتركة بين كل الدول لتحقيق قيمة مضافة لتدبير الشأن العام.
وبعد أن سجل أن أجهزة الرقابة تعمل من أجل تحقيق العدالة داخل المجتمعات، أكد أن
استقلالية هذه المؤسسات الرقابية تعزز مصداقيتها، داعيا إلى تنظيم دورات تكوينية
للمديرين العموميين من أجل تعزيز معارفهم في المجال القانوني بهدف تحقيق تدبير
فعال .
وخلال هذه الجلسة، قال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، في كلمة حول
"مسؤولية المديرين العموميين أمام الأجهزة العليا للرقابة، الأسس
والمبادئ : "إن السياق المتسارع والمتطور الذي انخرطت فيه المملكة المغربية
إلى جانب بلدان أخرى يفرض عليها المواكبة والعمل أكثر على تجويد السياسات
العمومية، عبر الارتكاز على نظم المسؤولية في الأجهزة الرقابية، مؤكدا على ضرورة
التقارب بين القطاع العام والخاص، والاعتماد على مبدأ التفويض والمسؤولية من أجل
العمل على تطوير الإدارة عبر إشراك كل الجهات الفاعلة في العملية الرقابية، لافتا
إلى أن المغرب عرف تطورا كبيرا فيما يتعلق بتنزيل السياسات العامة، حيث يتوفر على
سجل اجتماعي وطني يمكن المؤسسات من معرفة الاحتياجات المرتبطة بالمواطن.
أما ممثل الرئيس الأول لمحكمة الحسابات الفرنسية، جيل ميلير، فسلط الضوء على بعض
الصعوبات والتحديات التي تواجه الأجهزة العليا الرقابية، والمتمثلة في تعددية
نماذجها القانونية والتنظيمية، داعيا إلى ضرورة تحديد المفاهيم والوظائف التي تقوم
بها هذه الأجهزة، لأن هذه الأجهزة تسعى إلى تعزيز الصلة بينها وبين المديرين العموميين
الذين يشكلون الحلقة الأساس في العملية الرقابية، كما حث في هذا الصدد على
الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والرقمنة في عمليات المراقبة التي تخص المؤسسات
العمومية على الخصوص.
وعرفت هذه الندوة مشاركة عدد من المسؤولين والممارسين المنتسبين لمجتمع أجهزة
الرقابة من مختلف جهات مجتمع المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة،
إضافة إلى حضور رئيس الحكومة، ومسؤولين مغاربة رفيعي المستوى من القطاعات الوزارية
وممثلي المؤسسات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها.