تقييم الاستراتيجيات العمومية في صلب التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات
أصدر المجلس الأعلى للحسابات أربع خلاصات تتعلق بتقييم استراتيجيات وبرامج ومشاريع عمومية، تهم أساسا قطاعات الطاقة ومحاربة الأمية وإصلاح الإدارة، وكذا مشاريع بناء وتهيئة منشآت وزارة العدل.
وأفاد التقرير برسم 2023 - 2024 بأن المهمة الرقابية حول الاستراتيجية الطاقية
الوطنية خلصت إلى أهمية تحسين الحكامة والقيادة بالقطاع الطاقي، وكذا تسريع وتيرة
تنزيل عدد من الإجراءات المرتبطة على الخصوص بالإطار القانوني وبآليات التمويل،
وذلك لبلوغ الأهداف المنشودة في أفق سنة 2030، ولا سيما ما يتعلق منها بالطاقات
المتجددة والنجاعة الطاقية.
وأن نسبة اقتصاد الطاقة بلغت 5,8 في المائة، وهي نسبة تظل بعيدة عن الهدف المتوخى
المتمثل في 20 في المائة في أفق سنة 2030، كما لم تبلغ المخزونات الاحتياطية من
المنتجات البترولية الحد الأدنى القانوني المحدد في 60 يوما، حيت سجلت مخزونات
الغازوال والبنزين وغاز البوتان، على التوالي، 32 و37 و31 يوما.
ولتحقيق ذلك، أوصى المجلس بالعمل على بلورة استراتيجية وطنية للنجاعة الطاقية
والمصادقة عليها وأجرأتها، وكذا وضع إطار تحفيزي بهدف تشجيع تدابير النجاعة الطاقية.
كما أوصى بوضع إطار تدبيري للقطاع الطاقي يعتمد على برامج عقود بين الدولة
والمؤسسات والمقاولات العمومية في القطاع مع الحرص على التنفيذ الأمثل لبنودها.
وأوصى أيضا الوزارة المعنية، في ما يخص قطاع الكهرباء، بتسريع مسلسل الإصلاح من
خلال الفصل بين أنشطة الإنتاج والنقل والتوزيع، واستكمال إصدار النصوص القانونية
المتعلقة بضبط القطاع، ولا سيما تلك الخاصة بإحداث جهة مسيرة لشبكة نقل الكهرباء
وتنظيم عملها.
كما أوصى الوزارة بإتمام عملية نقل منشآت
الطاقات المتجددة من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى وكالة
"مازن".
ونصت توصيات المجلس للوزارة، أيضا، على وضع آليات لتدبير ومراقبة المخزون
الاحتياطي لقطاع المحروقات بهدف التخفيف من أثر تقلبات الأسعار في السوق الدولية
وانعكاساتها على الأسعار في السوق الوطنية، وكذا بوضع استراتيجية وإطار قانوني
مناسب للقطاع الغازي، وذلك بتنسيق مع الأطراف المعنية، قصد تطوير سوق للغاز
الطبيعي شفاف وجاذب للاستثمارات.
وبخصوص الاستراتيجية الوطنية في مجال محاربة الأمية، لاحظ تقرير المجلس أنها مكنت
من تسجيل تزايد مستمر في أعداد المستفيدين من برامج محو الأمية، حيث انتقل العدد
الإجمالي للمسجلين من 450.335 خلال الموسم الدراسي 2003-2004 إلى 946.883 خلال
الموسم 2021-2022، أي بمعدل نمو متوسط سنوي يقدر بـ 4,2 في المائة. وقد تجاوزت
الحصيلة التراكمية للمستفيدين 13,5 مليون مستفيد خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى
2022.
غير أن تنفيذ الخطط الاستراتيجية وبرامج محاربة الأمية من طرف مختلف الفاعلين،
يضيف التقرير، لم يحقق بعد الأثر المتوخى منه للقضاء على هذه الآفة، بالرغم من
الغلاف المالي الإجمالي الذي تمت تعبئته لفائدة الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية،
خلال الفترة 2015-2023، والذي ناهز 2.971 مليون درهم، حيث لا زالت نسبة الأمية
مرتفعة بين المواطنين الذين تفوق أعمارهم 15 سنة، إذ سجل خلال سنة 2021 ما يزيد عن
9 ملايين و240 ألف شخص، أي ما يعادل نسبة أمية تناهز 34,2 في المائة مقابل 47,7 في
المائة سنة 2004.
وأوصى المجلس بإبرام عقد برنامج بين الدولة والوكالة المعنية من أجل تحديد الأهداف
الاستراتيجية والكمية المزمع إنجازها وفق جدولة زمنية مناسبة ، وإرساء آليات لتتبع
تنفيذ البرامج والمشاريع المخطط لها وتقييم نتائجها وأثرها على خفض نسبة الأمية.
كما أوصى الوكالة بتحسين فعالية ونجاعة برامج محاربة الأمية المنجزة بشراكة مع
هيئات المجتمع المدني لتعزيز أثرها الفعلي على تقليص نسبة الأمية، لا سيما من خلال
العمل على تصنيف هيئات المجتمع المدني النشيطة في مجال محاربة الأمية واعتماد
معايير وإجراءات تمكن من اختيار جمعيات وتعاونيات تتمتع بالجدية وبالموارد البشرية
ذات الاختصاص والقدرات المهنية الضرورية لتأطير دروس محاربة الأمية.
أما في ما يتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، سجل المجلس مجموعة من
الملاحظات همت أساسا الجوانب المتعلقة بالمراحل التحضيرية لتنفيذ الورش وآليات
الحكامة والقيادة وإدارة التغيير داخل الإدارة العمومية، بالإضافة إلى حصيلة
التنزيل العملي للقواعد الجديدة المنظمة للإجراءات الإدارية.
ولاحظ أن نسبة الخدمات الإلكترونية المرقمنة كليا، والتي توفر إمكانية إنجاز جميع
الإجراءات بشكل إلكتروني، لم تتجاوز 23 في المائة من الخدمات الإلكترونية التي
تقدمها الإدارة العمومية، مما يحد من الأثر المتوخى.
وأوصى في هذا الباب باعتماد إطار استراتيجي مندمج وشامل للتبسيط الإداري، ينبني
على مقاربة قائمة على النتائج، وإرساء خطط عمل لقيادة وتنفيذ وتتبع مشاريع تبسيط
المساطر الإدارية على مستوى القطاعات الوزارية، تفصل النتائج المتوخاة وتربطها
بمؤشرات أداء كمية وآجال محددة من أجل تعبئة ناجعة لكافة الفاعلين العموميين.
كما أوصى بتركيز مشاريع تبسيط المساطر الإدارية على المسار الفعلي للمرتفق، من
خلال هندسة جديدة تروم ترشيد محطات مسار المرتفق، بدلا من الاقتصار على مقاربة
أحادية الأبعاد ترتكز على كل قرار إداري على حدة، وباستهداف المسارات ذات الأولوية
الخاصة بالمستثمرين أو المعقدة، لا سيما تلك الأكثر تداولا والتي يكون لها تأثير
كبير على المرتفق.
موصيا كذلك بإرساء المتطلبات الأولية اللازمة لتفعيل الربط البيني للأنظمة
المعلوماتية الخاصة بالإدارات، وذلك من خلال تحسين النضج الرقمي لسجلات البيانات
واعتماد إطار مرجعي لمعايير تدبيرها، وتطوير السجلات المرجعية للبيانات المشتركة
للمرتفقين.
أما بشأن
مشاريع بناء وتهيئة المنشآت القضائية والإدارية من طرف وزارة العدل، فسجل التقرير
أن تدبير هذه المشاريع يعرف أوجه قصور مرتبطة أساسا بغياب استراتيجية عمل رسمية
لتنفيذ برامج بناء وتهيئة هذه المنشآت. كما أن غياب استراتيجية عقارية استباقية
لاقتناء الوعاء العقاري يسهم في تعثر تسوية الوضعية القانونية لمجموعة من
العقارات، مما يؤدي إلى تأخير أجل تنفيذ المشاريع المتعلقة بها، حيث لم تتجاوز
نسبة المشاريع التي تم تنفيذها داخل الآجال 11 في المائة.
وتبعا لذلك، أوصى المجلس بوضع استراتيجية رسمية لإعداد وتنفيذ برامج بناء وتهيئة
البنايات القضائية والإدارية، مع تحديد أهدافها والجدولة الزمنية لإنجازها ومصادر
تمويلها والأطراف ذات العلاقة، وكذا اعتماد برامج عمل ملائمة ومنسجمة مع المعايير
المحددة في التنظيم القضائي الجديد.
كما أوصى بوضع آلية للتأكد من مدى جودة الدراسات التقنية القبلية، وذلك لتفادي
التغييرات المتواترة في تصاميم المنشآت بعد الشروع في إنجاز المشاريع.
وأوصى المجلس، أيضا، باعتماد استراتيجية عقارية استباقية متعددة السنوات قصد
اقتناء الأراضي قبل الشروع في تنفيذ المشاريع، وباعتماد مخطط لصيانة البنايات
والحفاظ عليها ولتأهيل البنايات غير الملائمة وتوفير البنيات الضرورية لحسن سير
مرفق العدالة.