تخليد الذكرى الـ26 لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني
يخلد الشعب المغربي يومه الأحد، الذكرى الـ26 لرحيل موحد البلاد جلالة المغفور له الحسن الثاني، وهي مناسبة يستحضر فيها المغاربة، بكل تقدير وإجلال، مسار ملك همام طبع ببصماته التحولات الكبرى التي عرفتها المملكة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
ويجسد تخليد هذه الذكرى، التي تأتي أياما قليلة قبل الذكرى الـ49
للمسيرة الخضراء المظفرة، إرادة شعبية راسخة للاحتفاء بأبرز محطات تاريخ المملكة،
والترحم على روح ملك متبصر استطاع قيادة المغرب نحو العصرنة مع المحافظة على هويته
وإرثه وحضارته.
وقد كان يوم 9 من ربيع الثاني 1420 هـ يوما حزينا
بالنسبة للمغاربة قاطبة، ودعوا فيه قائدا عظيما عاشوا تحت رايته لمدة 38 سنة، سخر
خلالها حنكته وما تحلى به من بعد نظر، فكان، على الصعيد الوطني، بانيا ومشيدا،
وعلى المستوى الدولي، مدافعا قويا عن العدل والسلام.
وجاءت مراسم التشييع المهيبة وغير المسبوقة لجنازة جلالة المغفور له الحسن الثاني لتترجم بصدق تلك العروة الوثقى التي كانت تربط الشعب المغربي بالملك الراحل، حيث خرج أزيد من مليوني مغربي إلى شوارع العاصمة التي استقبلت حشودا من مدن أخرى، لوداع عاهلهم الراحل، ولتجديد تأكيد وفائهم الدائم لذكراه وعهدهم على مواصلة الطريق مع وارث سره صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وقد تمكن المغرب، بفضل السياسة الحكيمة التي نهجها جلالة المغفور له
الحسن الثاني، من تحقيق الوحدة الترابية للمملكة، في مسيرة سلمية شهد العالم أجمع
بعبقرية مبدعها، والتي تمكنت من تحقيق أهدافها في زمن قياسي بفضل التعبئة العامة
للشعب المغربي الذي استجاب بعفوية وإقبال مكثف لـ "نداء الملك الحسن"،
علاوة على تثبيت ركائز دولة المؤسسات والحق والقانون، مما أهل المملكة لاحتلال
موقع متميز على الساحة الدولية، بل وتساهم بشكل ناجع في إرساء السلم والأمن في
مختلف بقاع العالم.
وقد طبع الملك الراحل التاريخ الحديث للمغرب من خلال
ما حققه من تنمية اقتصادية واجتماعية للمملكة عكستها الإصلاحات العميقة التي باشرها
والأوراش الكبرى التي أطلقها، حيث قام جلالته بإرساء المؤسسات الديمقراطية وتعزيز
الحريات العامة وترسيخ حقوق الإنسان وتشجيع الإبداع على المستويات الثقافية
والمعمارية والفنية والرياضية.
وكذلك، كان المغفور له رمزا دينيا، وقائدا روحيا،
وأميرا للمؤمنين يزكيه نسبه الشريف إلى البيت العلوي، وسعة اطلاعه على أصول الدين
الإسلامي ومصادره وعلومه، حيث كان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة التي
دأب عليها المسلمون، كالدروس الحسنية، التي كانت ولا تزال محجا لأقطاب الفكر
الإسلامي من كل المشارب، ومناسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية، وكذا دعمه لبناء
المساجد بكل أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا.
أما على الصعيد الدولي، فقد عرف عن الملك الراحل
دفاعه المستميت عن الحوار كسبيل ناجع لفض النزاعات وتحقيق السلم والأمن، وهو ما
تجلى، بشكل خاص، في النزاع العربي-الإسرائيلي، حيث كان من بين الزعماء القلائل
الذين تمكنوا من القيام بدور هام في دعم القضية الفلسطينية وإنعاش فرص السلام في
الشرق الأوسط، فضلا عن التقريب بين الشعوب والحضارات الكبرى والديانات.
كما يتجلى موقف جلالة المغفور له في دعم القضية
الفلسطينية في سهره على عقد القمة العربية بالرباط في 1974.
وعلى الصعيد القاري، تعددت مبادرات الملك الراحل ومساهماته
من أجل توحيد القارة الإفريقية، ومنها جهوده في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية،
التي أصبحت سنة 2002 تحمل اسم الاتحاد الافريقي.
وفي هذا السياق، منحت إثيوبيا بمناسبة انعقاد أول
قمة إفريقية للشباب ما بين 29 أكتوبر 2022 و1 نونبر 2022، جائزة إفريقية لجلالة
المغفور له الملك الحسن الثاني، نظير تفانيه وإسهامه في توحيد إفريقيا وتحررها.
كما كان لجلالته الأثر البالغ في قيام الاتحاد
المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا لا محيد عنه من أجل تمتين أواصر الأخوة التي
تربط الدول الأعضاء وشعوبها وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها
والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف واحترام سيادة الدول ووحدتها
الترابية.