التكوين الموسيقي بالدار البيضاء تراكمات متجددة تفوق قرنا من الزمن

       تاريخ المعهد الموسيقي الأم بالدار البيضاء، الذي رأى النور قبل 117 سنة بالتمام والكمال، يبرز جانبا أساسيا من تراكمات مسار التكوين الموسيقي بالعاصمة الاقتصادية، الذي اتخذ أشكالا متعددة وتطور بشكل مضطرد تجاوبا مع مختلف الحاجيات. على مدى قرن من الزمن  في رحلة تختزن ذاكرة جماعية فنية لمواهب وازنة تركت بصماتها ضمن المشهد الفني المحلي والوطني.

هذا المعهد العتيد في  بناية عتيقة تنضح بعبق التاريخ، ساهم بشكل كبير في تمكين أجيال عديدة من أدبيات الموسيقى والفن، من ضمنهم حسن الفد، وعبد الرحيم المنياري، والحبشي ميلود، والحسين بنياز، وقبلهم وبعدهم الكثير. له حمولة تاريخية وفنية جعلته من أقدم المعاهد الموسيقية بالقارة الإفريقية، ساهم في صياغة التاريخ الفني بالمدينة من خلال تكوين كوكبة كبيرة من الفنانين في المجال الموسيقي والمسرحي، تحت إشراف عدد كبير من الأساتذة منهم بينهم الفنان الكبير الحاج يونس.

وقد تمخضت عن هذا الامتداد التاريخي معاهد فرعية يبلغ عددها حاليا 16 معهدا من أجل تقريب التكوين الموسيقي والفني من مختلف المناطق والأحياء . فالأمر إذن يتعلق بمعاهد تابعة للمعهد الأم ، من بينها معاهد سيدي بليوط، وأنفا، والحي الحسني، والمعاريف (محمد زفزاف)، وعين السبع (العربي باطما)، والصخور السوداء، والحي المحمدي، وسيدي مومن، والبرنوصي (حسن الصقلي)، وعين الشق (عبدالله كنون)، وسيدي معروف، ومرس السلطان (أحمد الصعري)، والفداء.

أما المواد التي تدرس بالمؤسسة فهي كثيرة ومتعددة تتعلق بالصولفيج، والعزف على الآلة، والبيانو، والآلات الوترية، وآلات النفخ الخشبية والنحاسية، وغيرها، بالإضافة إلى المسرح باللغتين العربية والفرنسية، ومادة الإلقاء، والرقص الكلاسيكي، والرقص الإيقاعي، والغناء الكلاسيكي، والموشحات العربية، والملحون والطرب الأندلسي.

ومما لا شك فيه، فإن هذا الطبق من المواد يمنح مساحة كبيرة لعشاق الفن الموسيقي والمسرحي والرقص، وهو ما يتيح إمكانيات متنوعة للتكوين.

وعن أعداد المسجلين خلال الموسم الدارسي 2023 / 2024 فقد بلغ، 4 آلاف و999 طالبة وطالبا في مختلف المواد، يستفيدون دون تحديد سن معين بالنسبة للطلبة من جميع الفئات العمرية

وضمن هذا العدد الإجمالي، هناك 40 بالمائة من العنصر النسوي، و10 بالمائة من الأجانب من مختلف الجنسيات، بالإضافة إلى أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ومن الجمعيات الخيرية. ويبلغ عدد الأساتذة بمختلف المعاهد 285 أستاذا كلهم مغاربة باستثناء أستاذين أجنبيين (أمريكي وإفريقي). أما المتخرجون من المعهد فيغطون الساحة الفنية ولهم أسماء وازنة في المشهد الفني الوطني، منهم فنانون وأساتذة لهم حضور بمعاهد وأجواق سامفونية بأورويا، ينضاف لذلك كون 99 بالمائة من المشرفين على عملية التكوين هم من خريجي معهد العاصمة الاقتصادية.

و قال مدير المعهد " إن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاهتمام الذي يوليه مختلف المسؤولين بالشأن المحلي والشأن الثقافي، لهذه المؤسسة وللتعليم الموسيقي".

أما الامتحانات، فيتم إجراء امتحانين، يهم الأول المراقبة والذي يتم إجراؤه في شهر فبراير، والثاني في آخر السنة (الامتحانات الداخلية)، ثم الإقصائيات وأخيرا المباراة العمومية لنيل شواهد التخرج

وتحظى البرامج التعليمية أيضا بأهمية كبيرة، حيث تم التأكيد على أنها أكاديمية منبثقة من البرامج الموجودة حاليا بالمعاهد الأوروبية، مع الخضوع للبرامج المعتمدة من قبل وزارة الشباب والثقافة التواصل، وذلك من أجل ضمان نوع من التوازن في مجال التعليم الموسيقي.

كما أن نشاط المعهد بشكل عام، فهناك مشاريع مستقبلية "ستعود بالنفع على هذه المؤسسة "، من بينها مستجدات تطبع هذا الموسم، منها إنشاء جوق سامفوني تابع للمعهد يتكون تقريبا من 100 عازف من مختلف المواد والآلات ( يعزف العربي الكلاسيكي والمغربي والأندلسي)، علاوة على خلق جوق للطرب الأندلسي وآخر لطرب الملحون، ثم جوق للموسيقى العصرية ( الجاز).

والمعهد على أبواب إعداد حفل فني كبير، إضافة إلى سهرة للبالي، وهو توجه يساهم لا شك في تنشيط الحياة الثقافية والفنية بمدينة تطغى عليها خدمات المال والأعمال. لأن التكوين الموسيقي يكتسي أهمية بالغة ليس فقط في التنشيط الثقافي والفني، لكن أيضا في مجال بناء شخصية المستفيد، وربما في تخريج مشاريع فنانين كبار قد تكون لهم كلمة وبصمة في المستقبل.