قلعة طوريس معلمة ثرية تكتنز عبق التاريخ وبهاء الجغرافيا


قلعة طوريس معلمة ثرية تكتنز عبق التاريخ وبهاء الجغرافيا صورة - م.ع.ن
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

       تكتنز قلعة طوريس، والمعروفة أيضا بقلعة صنهاجة، مؤهلات جمالية يمتزج فيها عبق التاريخ ببهاء الجغرافيا، وتجعل الزائر ينعم بمتعة البيئة الجذابة. وهي تقع على الساحل المتوسطي على مصب وادي بني بوفراح، وتتواجد على بعد 37 كيلومترات غرب مدينة الحسيمة، وتبعد بحوالي 3 كيلومترات من مدينة بادس الأثرية. وهي تتربع فوق تل على ارتفاع حوالي 90 متر عن سطح البحر، محاطة بكل عناصر الطبيعة العذراء، من جبال وبحار، أسفلها شاطئ سبعة بيبان، يحدها من الشرق شاطئ طوريس ومن الغرب شاطئ كلايريس، وغير بعيدة أيضا عن شاطئ بادس، وشموخها يؤكد للناظرين من بعيد، سواء من البر أو البحر، عن عظمتها التاريخية وقيمتها المعمارية وموقعها الاستراتيجي.


وأفادت معطيات للمديرية الإقليمية للثقافة بالحسيمة، أن المعلمة التاريخية الواقعة بالمنتزه الوطني للحسيمة تتخذ شكلا رباعيا يتسع من جهة الغرب ويضيق من جهة الشرق، يتوفر على مساحة أرضية تقدر بحوالي 670 متر مربع كما أنها تضم ستة أبراج، يحيط أربعة منها بزوايا القلعة، ويوجد البرج الخامس فوق بوابة الدخول، أما البرج السادس فتم تجهيزه على الجانب الأيسر من السور بمدافع لحماية مدخل بني بوفراح، ويحيط بالفضاء سياج يبلغ عرضه حوالي 1.60 مترا، ويتراوح ارتفاعه بين 5 و7 أمتار مبنيا من الطوب اللبن على قاعدة من الركام.
ويرتكن في رحابها الواسع فضاء داخلي ضخم به آثار غرف وفضاءات متنوعة،  من المؤكد أنها كانت تستخدم لإيواء الحامية وتخزين الذخائر، وهي كذلك تحفة غنية بموقعها الاستراتيجي وقيمتها التاريخية وكذا قيمتها المعمارية التي تجمع بين المعمار المغربي الأصيل والهندسة المعمارية الإيبيرية، فضلا عن قيمتها السياحية والجمالية بفضل موقعها البانورامي وسط المنتزه الوطني.
لكن تاريخ تواجدها تتعدد حوله المقترحات فهناك بعض الباحثين يرجعون تاريخها إلى مرحلة الدولة الموحدية، باعتبارها من بناء مغربي أصيل، وتجدر الإشارة إلى أن عبد الحق بن اسماعيل البادسي ذكرها في مؤلفه "المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف"، في سياق حديثه عن كرامات الشيخ أبي يعقوب بن الشفاف، محددا إياها بالقرب من مدينة بادس (في القرن 13)، في حين يرى البعض أنها تعود إلى القرن 15 كحصن إيبيري من أصل برتغالي أو إسباني.
لكن على الرغم من تضارب الآراء حول تاريخها، تبقى قلعة طوريس معلمة أثرية ثرية تختزن في تفاصيلها الكثير من نفائس الكنوز التاريخية وآثار الحضارات المتلاقحة، ونظرا لقيمتها العظيمة، فقد حظيت المنشأة العريقة بعملية ترميم واسعة أعادت لها بريقها القديم لتحافظ على تاريخ حي يعيش خلف جدرانها وأبراجها لتبقى راسية في جبال الريف شاهدة على ماض بعيد عريق.
هذا الترميم وفق رئيس جمعية تثمين الموروث الطبيعي والثقافي بالمنتزه الوطني (GEODE)، أنور أكوح، شهد ثلاث مراحل من الترميم، مشيرا الى أن المرحلة الأولى (2016 - 2017) أقيمت في إطار شراكة جمعت الاتحاد الأوربي ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال بكلفة مالية قدرها 3 ملايين درهم، وشمل الترميم الأبراج والحائط وتهيئة الساحة خارج فضاء الموقع و الخدمات الصحية، باحترام تام للمعايير العلمية والتقنية والفنية في الترميم.
وأن المرحلة الثانية (يوليوز 2018 - يوليوز 2020) أنجزت في إطار برنامج التنمية المجالية "الحسيمة منارة المتوسط"، وكلف إنجازها غلافا مالي يقدر بنحو 1.78 مليون درهم، وتم ذلك في إطار شراكة بين وزارتي الثقافة والداخلية، وخصصت عملية الترميم للتهيئة الخارجية خاصة لسلالم الوصول إلى القلعة.
أما المرحلة الثالثة من الترميم فاستغرقت، حسب المتحدث، مدة 18 أشهر وانتهت في دجنبر 2022، و شمل استكمال التهيئة الخارجية للموقع التاريخي وبناء جزء من السور الخارجي للقلعة، وساهمت في المشروع جمعية GEODE، ووزارة الثقافة، بتمويل من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال صندوق السفراء الأمريكي للحفاظ على التراث الثقافي، والذي ساهم بمنحة بلغت قيمتها 170 ألف دولار أمريكي، بهدف جعل التراث الثقافي أداة من أدوات تنويع مداخل التنمية وكشف القيم الجمالية والتاريخية والفنية للقلعة.
وبما أن قلعة طوريس تبقى جوهرة أثرية تتفنن بدقة الجمال في شكلها ومحيطها ومناظرها وهي قبلة لعشاق السياحة البرية والبحرية والأثرية، فهي بحاجة إلى المزيد من التطوير والتحديث والإضافات التي من شأنها أن تساهم أكثر في دعم حركة السياحة، مع توفير بعض عناصر الاستقطاب المهمة بالنسبة للزوار والسياح، لتنشيط دورة الاقتصاد المحلي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة.

اترك تعليقاً