ذكرى زيارة الملك محمد الخامس لطنجة سنة 1947
تحل يوم 9 أبريل الذكرى 77 للزيارة التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس،
طيب الله ثراه، بصحبة الأمراء، إلى طنجة أيام 9 و10 و11 أبريل من سنة 1947،
للمطالبة جهرا بالاستقلال الوطني، وتحل الذكرى 68 للرحلة الملكية التي قام بها
جلالته الى مدينة تطوان في 9 أبريل 1956 ليزف منها بشرى استقلال الأقاليم الشمالية
وتوحيد شمال المملكة بجنوبها.
فبالإضافة الى كونهما تعدان من روائع أمجاد الوطن وملامح في الكفاح الوطني ووحدة
الصف الوطني، فإنهما تعدان معا درسا في السياسة الحكيمة للعرش المغربي، التي لازال
المغرب يجني ثمارها الى يومنا هذا ليعطي الدليل أن الوحدة الترابية للمغرب تعد
ثابتا من ثوابت الأمة التي تحظى دائما بالأولوية.
وسجلت الزيارتان ملحمتين من ملاحم الكفاح الوطني الذي لم يفتر أبدا ، تخليدهما
بفخر واعتزاز وإكبار، ويتماهى بهما المغاربة بشكل عام وساكنة شمال المملكة لانهما
أيضا تجسدان أيضا العلاقات القوية القائمة على امتداد قرون بين العرش العلوي
المجيد والشعب المغربي الأبي، وإصرار أبناء المناطق الشمالية من أجل الوحدة.
وأسرة المقاومة وجيش التحرير ومعها الشعب المغربي برمته وهم يخلدون الزيارة
التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس الى طنجة قبل 77 سنة وتطوان قبل 68 سنة
، يجددون الموقف الثابت من قضية الوحدة الترابية للمملكة وعزمهما لاسترخاص كل غال
ونفيس في سبيل السيادة الوطنية وأمن وسلام واستقرار البلاد.
ويحرص المغرب من خلال تخليد الذكرتين، على ربط الحاضر بالماضي وتلقين الأجيال
الجديدة والمتعاقبة تاريخ الكفاح الوطني الزاخر بالدلالات والعبر والملاحم
والأمجاد والانتصارات، واستحضار تضحيات أجدادنا الأبرار، وشهداء الحرية والاستقلال
والوحدة الترابية.
فقد شكلت الزيارة الملكية الميمونة إلى مدينة طنجة منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح
الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وحدا فاصلا بين عهدين: عهد الصراع بين القصر
الملكي، ومعه طلائع الحركة الوطنية، وبين إدارة الإقامة العامة للحماية الفرنسية،
وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية وإسماع صوت
المغرب بالخارج، والعالم آنذاك يتطلع لطي حقبة التوسع الاستعماري والدخول في مرحلة
تحرير الشعوب وتقرير مصيرها بنفسها. فكانت هذه الرحلة التاريخية لجلالته قدس الله
روحه عنوانا لوحدة المغرب وتماسكه، وبالتالي مناسبة سانحة لتأكيد المطالبة
باستقلال البلاد وحريتها وسيادتها.
وما أن علمت سلطات الإقامة العامة برغبة جلالته رضوان الله عليه، حتى عمدت إلى
محاولة إفشال مخطط الرحلة الملكية وزرع العراقيل والعقبات في طريقها، لكنها لم
تنجح في ذلك، إذ جاء رد جلالة المغفور له محمد الخامس رحمه الله على مبعوث الإقامة
العامة قائلا له بوضوح: “لا مجال مطلقا في الرجوع عن مبدأ هذه الرحلة”.
فأقدمت السلطات الاستعمارية على ارتكاب مجزرة شنيعة بمدينة الدار البيضاء يوم 7
أبريل 1947 ذهب ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء، وقد سارع جلالة المغفور له محمد
الخامس طيب الله ثراه إلى زيارة عائلات الضحايا ومواساتها، معبرا لها رحمه الله عن
تضامنه معها إثر هذه الجريمة النكراء.
لقد فطن جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مؤامرات ودسائس المستعمر التي كانت تهدف
إلى ثني جلالته عن عزمه على إحياء صلة الرحم والتواصل مع أبنائه الأوفياء من سكان
عاصمة البوغاز، وتجديد العهد معهم لمواصلة الكفاح الوطني الذي ارتضاه المغاربة
طريقا للتحرر من قبضة المستعمر الأجنبي.
ويوم 9 أبريل 1947، توجه طيب الله ثراه على متن القطار الملكي انطلاقا من مدينة
الرباط نحو طنجة عبر مدن سوق أربعاء الغرب ثم القصر الكبير فأصيلا، التي خصص بها
سمو الأمير مولاي الحسن بن المهدي استقبالا حماسيا رائعا، احتفاء بمقدم العاهل
الكريم في حشد جماهيري عظيم. وهذه الصورة الرائعة كسرت العراقيل التي دبرتها
السلطات الاستعمارية،
وقد جاء الخطاب التاريخي الذي ألقاه العاهل الكريم في فناء حدائق المندوبية بحضور
ممثلين عن الدول الأجنبية وهيأة إدارة المنطقة وشخصيات عدة، مغربية وأجنبية، ليعلن
للعالم أجمع عن إرادة الأمة وحقها في استرجاع استقلال البلاد ووحدتها الترابية،
حيث قال جلالته في هذا الصدد "إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه، فما ضاع
حق من ورائه طالب، وإن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع …”.
لقد كان خطاب جلالته رسالة واضحة المعالم والمضامين في مواجهة الأطماع
الاستعمارية، بحيث أوضح رحمه الله أن عرش المغرب يقوم على وحدة البلاد من شمال
المغرب إلى أقصى جنوبه
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان لهذه الزيارة جانب روحي، إذ ألقى أمير المؤمنين جلالة
المغفور له محمد الخامس يوم الجمعة 10 أبريل 1947 خطبة الجمعة، وأم المؤمنين
بالصلاة في المسجد الأعظم بطنجة، حاثا الشعب المغربي على التمسك برابطة الدين، فهي
الحصن الحصين لأمتنا ضد مطامع الغزاة. لذلك، نجد أن الرحلة الملكية التاريخية إلى
طنجة كان لها وقع بمثابة الصدمة بالنسبة لسلطات الحماية التي أربكت حساباتها،
فأقدمت على الفور على عزل المقيم العام الفرنسي “ايريك لابون”، ليحل محله الجنرال
“جوان”، الذي بدأ حملته المسعورة على المغرب بتضييق الخناق على القصر الملكي
وتنفيذ مؤامرة النفي.
وجاءت زيارة جلالته رضوان الله عليه لمدينة تطوان في التاسع من أبريل سنة 1956
ليزف منها بشرى استقلال الأقاليم الشمالية وتوحيد شمال المملكة بجنوبها. وقد كان
جلالته عائدا من اسبانيا بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال
الوحدة الترابية للمملكة، والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956 التي تعترف
بموجبها دولة اسبانيا باستقلال المغرب وسيادته التامة على كافة أجزائه.
وهكذا، ألقى جلالة المغفور له محمد الخامس، تغمده الله برحمته، خطابا تاريخيا وسط
ما يفوق 200 ألف مواطن من سكان مدينة تطوان استهله بقوله: “وبالأمس عدنا من ديار
فرنسا ووجهتنا عاصمة مملكتنا، رباط الفتح ، لنزف منها إلى رعايانا بشائر
الاستقلال. واليوم نعود من رحلتنا من الديار الاسبانية ووجهتنا تطوان قاعدة نواحي
مملكتنا في الشمال وتحت سماء هذه المدينة قصدنا أن يرن صوت الإعلان بوحدة التراب
إلى رعايانا في جميع أنحاء المملكة، وذلك رمزا إلى تتميم هذه الوحدة وتثبيتها في
الحال”.