الغابات كمصدر للغذاء في مواجهة تغير المناخ

على امتداد غابة المعمورة الخضراء الشاسعة، تنتصب أشجار البلوط الفليني بشكل مهيب نحو السماء، التي أصبحت أكثر سخاء بفضل الأمطار الأخيرة المسجلة في العديد من مناطق المملكة.
تفوح في أرجاء هذه الغابة رائحة خشبية، وتصدح بين أشجارها الطيور الشجية وروائح الأكوليبتوس التي تمتزج بعبق الأرض الرطبة المغطاة بأوراق الشجر المتساقطة المبللة بمياه الأمطار.
لكن هذا المشهد الهادئ، بالكاد يخفي ندوب دورات الجفاف المتكررة مع ما خلفه من آثار قاسية على جذوع الأشجار المتشققة واللحاء الجاف المتناثر على المسارات الصلبة في هذا الفضاء الأخضر.
فالعديد من الغابات في حالة سيئة حاليا، حسب ما صرح به محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، مضيفا أن شح الأمطار أدى إلى إضعاف الأشجار، وانخفاض كثافتها، وتدهور خطير في مواردها النباتية والحيوانية.
هذا المعطى ينطبق، تقريبا، على جميع بقاع العالم، حيث تكشف بيانات الأمم المتحدة، لسنة 2024، أن ما يصل إلى 10 ملايين هكتار من الغابات تختفي كل عام في جميع أنحاء العالم، بسبب العوامل الطبيعية والأنشطة البشرية.
وعلى نحو مماثل، تعرضت حوالي 70 مليون هكتار من الأراضي للتدمير بسبب الحرائق، وصارت 40 في المائة من أراضي الكوكب متدهورة، مع انخفاض إنتاجيتها البيولوجية أو الاقتصادية.
ويرى بعض المراقبين أن هذا الوضع أصبح غير مقبول على نحو متزايد، خاصة وأن الغابات تلعب دورا حاسما في تثبيت التربة، ومكافحة الانجراف، وتدبير الدورة المائية.
وفي الواقع، تضمن هذه النظم البيئية الاحتفاظ بالمياه في التربة بشكل أفضل، وبالتالي ضمان إعادة تغذية مستويات الفرشات المائية، وإنشاء احتياطيات حيوية من المياه الجوفية.
وتغطي الغابات 31 في المائة من سطح الكوكب، أو ما يقرب من 4 مليارات هكتار، وهي تعد، أيضا، خزانات للتنوع البيولوجي الذي يوفر، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، موطنا لنحو 80 في المائة من البرمائيات، و75 في المائة من أنواع الطيور، و68 في المائة من الثدييات، وبالتالي الحفاظ على التوازن البيئي والسلاسل الغذائية.
وعلى هذا الأساس وقع الاختيار على "الغابات والغذاء" كشعار مركزي للاحتفال هذه السنة باليوم العالمي للغابات، الذي يصادف 21 مارس من كل سنة.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة، يعتمد أكثر من 5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم على المنتجات الحرجية غير الخشبية في غذائهم ورعايتهم الطبية وسبل عيشهم، والتي توفر لهم، أيضا، المواد الطبية.
ومع ذلك، فإن هذه النظم البيئية الغابوية، التي تعد ضرورية لرفاهية السكان، تخضع لضغوط متزايدة بسبب تغير المناخ والجفاف بشكل رئيسي، مما يضعف توازن النظام الغابوي ويزيد من هشاشة الغطاء النباتي.
وفي المغرب، تعاني الموارد الغابوية، التي تغطي مساحة تقدر ب 9 ملايين و279 ألف هكتار، من أجل التجدد بشكل طبيعي، بعد ست سنوات طويلة متتالية من الجفاف.
ويقول أيوب كرير، رئيس جمعية الأكسجين للبيئة والصحة: إنه "بسبب الجفاف المصحوب بالأنشطة البشرية، فإن العديد من الأنواع مثل الأرز الأطلسي وشجرة الأركان، المعروفة بقدرتها على الصمود، تشهد الآن تأثرا شديدا في قدرتها على التجدد".
وأضاف أن المعمورة، أكبر غابة من أشجار الفلين في العالم والرئة الخضراء للمغرب، "تشكل خزانا لأغنى فرشة مائية في المغرب، والتي انخفض حجمها بشكل كبير بسبب العوامل الطبيعية والاستغلال المفرط".
وقد أدت هذه التحديات إلى تفاقم ظاهرة تراجع الموارد الغابوية التي تؤثر، حسب الوكالة الوطنية للمياه والغابات، على حوالي 10 آلاف هكتار من جميع الأنواع، بما في ذلك 50 في المائة من الصنوبر؛ موضحة أن هذا التدهور يؤثر على التنوع البيولوجي والمناخ.
ف"الغابات هي خزانات للكربون تضم ما بين 20 إلى 50 مرة من ثاني أكسيد الكربون أكثر من أي نظام بيئي آخر، وبالتالي تخفف من آثار الاحتباس الحراري العالمي".
وإزالة الغابات تؤدي إلى إطلاق الكربون المخزن، وارتفاع درجات الحرارة المحلية، واضطراب في دورات هطول الأمطار، وبالتالي تفاقم تغير المناخ.
وأمام هذه المخاطر، وبهدف حماية الغابات مع ضمان استدامة مواردها، يؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على ضرورة اعتماد رؤية منسقة ومشتركة بين مختلف الفاعلين والجهات المعنية، ويوصي بوضع إطار غابوي يضمن أمن الموارد الغابوية ويسهل تحديث النصوص المعمول بها.
والهدف من ذلك هو ضمان إعادة تأهيل المجال الغابوي من خلال تحويله إلى فضاء مقاوم للمخاطر، وقادر على تعبئة الاستثمارات المستدامة وتعزيز القطاعات الواعدة.