هل يمكن الحديث عن الكتابة بصيغة المؤنث؟


هل يمكن الحديث عن الكتابة بصيغة المؤنث؟
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

     حتى وقت قريب، لم تكن اللغة الفرنسية تسعف بكلمة مؤنثة خاصة، قد تطلق على المرأة التي تؤلف الكتب، إذ كانت "Auteur" هي التسمية الدارجة لهذا الغرض. أما اليوم فإن توصيفات من قبيل "Auteure" و"Autrice" و"Auterisse" وجدت طريقها إلى القواميس أو، على الأقل، إلى الاستخدام اليومي، وفق ما تراه مريم رقيوق التي تضيف أن هذا التطور اللسني يدل في الواقع على تغير في العقليات، حيث حظيت الكتابة النسائية، بعد عقود من الإنكار والتهميش، بالاعتراف بفضل الإنتاج الغزير والأصيل والمتنوع للغاية.

وفي المغرب، كما هو الحال في العديد من البلدان، لم يكن هذا الطريق مفروشا بالورود، فما بين فترة الكاتبات الرائدات في فترة ما بعد الاستقلال (خصوصا خناثة بنونة، وفاطمة المرنيسي، وصولا إلى "مدونات" جيل الألفية والجيل الذي يليه، حصلت الكثير من الأمور، إذ حسب السياق التاريخي، فإن المقالات الأولى للنساء النادرة وغير المألوفة إلى حد ما، جمع بينها قاسم مشترك، هو الرغبة الشديدة، التي تحولت أحيانا إلى هوس، لكسر الأغلال من أجل إيصال أصوات النساء وإحباطاتهن وتطلعاتهن للتحرر من نير الوصاية.

وبطبيعة الحال، كانت النزعة النسوية حاضرة في أعمال هؤلاء الرائدات، فهذه عالمة الاجتماع والكاتبة سمية نعمان جسوس ، قالت  إنه "في السبعينيات، ومع ظهور المنشورات الأولى الموقعة من قبل النساء، كان لا بد لتناول مواضيع البحث عن الهوية والتحرر والمساواة بين الرجل والمرأة، أن تثير الاهتمام"، ولهذا تم وسمها بصفة "النسوية"، وأنه"ابتداء من التسعينيات، لم تعد الكتابات النسائية توصف "بالنسوية" بالضرورة، والدليل هو أن العديد من المؤلفات "النسوية" يكتبها رجال. وعلاوة على ذلك، فإن هذا المصطلح يحصر الإبداع بالمؤنث والذي يتسم بتنوع كبير، إذ اليوم تكتب النساء في جميع المجالات: السياسة والرياضة والعلوم والبيئة..."، لكن إذا كان الإنتاج الأدبي والأكاديمي النسائي قد تطور خلال نصف قرن تطورا كبيرا كما ونوعا، سواء في المضمون أو الشكل، فإنه لا يزال دون الطموحات.

وفي عام 2022، من أصل 1572 مؤلفا حاضرا في قطاع النشر في المغرب، كانت هناك 243 امرأة فقط. هو إذن واقع يفرض نفسه، في مجال الكتابة، كما هو الحال في كثير من المجالات الأخرى، يعتبر أن هناك سقفا زجاجيا يحول دون ارتقاء المرأة. فهل الأمر يتعلق بتنافر بين النساء في قطاع النشر؟ وتجيب الكاتبة سعاد الجامعي بالقول "يمكن أن أقول لكم، وبوعي تام بواقع الأمور، إن العقود الموقعة مع المؤلفين والمؤلفات متطابقة. صحيح أنه مع أزمة القراءة الحالية، يواجه الناشرون صعوبة في دفع المستحقات في المواعيد المحددة، لكنه واقع يهم الرجال والنساء دون أي تمييز"، فإن مسألة النوع الاجتماعي "ليس لها أي تأثير على قرار شراء كتاب أو نشره". وجهة النظر هذه، تتقاسمها صفاء الوالي، الناشرة بدار النشر الفنك، التي ترى أنه عندما يتعلق الأمر بالقيود، فإن المؤلفين يوجدون في القارب نفسه. والرجال والنساء يواجهون الصعوبات نفسها. ونظرا لتنامي عدم اهتمام الجمهور بالقراءة، أصبح إصدار كتاب بمثابة نوع من المغامرة للمؤلفين من الجنسين".

على أنه من الواضح أن شبكات التواصل الاجتماعي تشكل أيضا مجالا آخر لجأت له الكاتبات لتقديم إبداعاتهن، حيث عوضت المنصات الكتاب الورقي،  فبدلا من خوض مغامرة النشر الشائكة، تعول الكاتبة الناشئة على مدونتها أو حسابها على شبكات التواصل الاجتماعي "للترويج لنفسها"، أو تختار نشر نصوصها في مجلة إلكترونية.

فهل يمكن اعتبار هذا النوع من النصوص من الكتابات كتابة نسائية؟  "لم لا ؟، طالما أن هناك حضورا ونظرة أنثوية للذات وللعالم معبرا عنهما".

"إن الكتابات النسائية في الفضاء الرقمي، والتي غالبا ما تسعى إلى التعبير عن تنديد بمظاهر اللاعدل والاختلالات التي يعرفها المجتمع، تحتاج إلى أن تكون معروفة ومعترفا بها بالطريقة نفسها التي يتم بها التعرف على الكتابات المنشورة في حوامل مطبوعة. ومن ناحية أخرى، يجب على الإنتاج الأدبي والفكري النسائي أن يكون متناغما مع العصر ولا يبقى منعزلا على الورق".

والواقع أنه سواء كانت الكتابة على الورق أو على الإنترنت، وسواء اتخذت شكل سيرة ذاتية أو قصيدة أو مقال علمي، فإنها تظل ممارسة تليق تماما بالأنثى، وبها تساهم في كتابة العالم وإعادة كتابته.

اترك تعليقاً