فسحة رمضانية: قاعات سينما فاس، سفر في ذاكرة القاعات الضائعة الحلقة 1


فسحة رمضانية: قاعات سينما فاس، سفر في ذاكرة القاعات الضائعة الحلقة 1
أفريكا فور بريس - محمد التهامي بنيس

        كانت لنا بالمدينة أحياء، نقصدها كوجهة مختارة، في كل عطلة أسبوعية أو ساعات فراغ مدرسية، حتى ولو بدون أغراض ضرورية، كما لو أن لها جاذبية تجذبنا لحسم جدال طفولي يافعي حول ملصق الفيلم الأسبوعي أو صور العرض الإشهارية المعروضة على لوحات في بهو القاعة أو جداريات أبوابها، ترانا لا نهتم لمسافة السير – ولو في جو مطير، لا يشكو منا أحد بالتعب، بل نشعر بمتعة الوصول، ومتعة تحليل الصور واستنطاق اللوحات المعروضة والتفاخر بمن كان منا على صواب، ناهيك عما كان يجذبنا من احتضانها لنشاط فني أو ثقافي أو حضور فرق عروض موسيقية أو مسرحية أو شخصيات متميزة.

أما اليوم فلم تعد وجهة مفضلة، ليس بعامل رشدنا أو كبرنا أو تعدد مشاغلنا، بل لما طالها من إغلاق وإهمال. وإذا صادفتنا بالعبور، يستوقفنا الحزن على حالها، والتأسي لواقعها والأسى لمآلها، سواء أكانت في المدينة الجديدة أو المناطق المستحدثة أو في ساحات ودروب ومنحدرات المدينة العتيقة، فنتساءل – حينا في صمت وأحيانا مع بعضنا – ألم تكن هذه القاعات السينمائية، تشكل جزءا من تراث المدينة المعماري؟ هل تغير "ولا أقول تطور" العمران بالمدينة أو تصاميم تهيئتها، فرض إهمالها لتتلاشى بالتدريج؟ ألم تكن مورد عيش الكثيرين من عمالها وتقنيها وحتى أصحابها المستثمرين؟ ألم تكن فضاءات للثقافة والتوعية والتنشيط الفني والترويج السياحي وحتى السياسي سرا؟.

كغيور وكنباش في  تراث مدينة فاس المتنوع، وواحد من رواد قاعاتها السينمائية التي أحزنني واقع حالها اليوم، حاولت النبش في هذا التراث السينمائي كقاعات وفضاءات، لا كأفلام ومضامين أفلام، فهذا حقل له أصحابه المختصون، شرعت في النبش منذ سنة 2010 بعد أن تخلصت من استلاب العمل السياسي والجماعي، وهممت بتجميع المعطيات، لكن البداية كانت صادمة واكتشفت أنها غير مشجعة، بل معرقلة منفرة، فجميع الأبواب التي طرقتها باحثا مستفسرا، إما أنها لا تتوفر على المعطيات المطلوبة، وإما أن أرشيفها ضائع تالف ولا يمكن البحث في ركامه، أو أنها تطلب ترخيصا وإذنا، ليس لإعطائك المعلومة، بل ليسمح لك بالنبش في المصادر– فالقانون يوفر الحق في الوصول إلى المعلومة وليس إعطاء المعلومة – كما يقولون -وبهذه المناسبة نبارك تأسيس المرصد الجهوي للحق في الحصول على المعلومات بجهة فاس مكناس  الذي ولد يوم الأحد 24 نونبر 2024 -، بل وإن بعض الخواص ممن يتم إرشادي إليهم كعارفين ببعض الجوانب، أو عاملين في القطاع في زمن سابق، ممن قد تكون لديهم معلومة مفيدة، كان الاتصال بهم يبعث على الاستغراب والدهشة، نتيجة مطالبتهم بالمقابل المالي بالفصال والمساومة، وهي ظاهرة وإن كانت قد تبدو مقبولة من بعضهم، نظرا لوضعيتهم الاجتماعية المتدنية، فإنها ليست مفهومة من طرف البعض الآخر، والذي ينظر إليك على أنك تقوم بهذا العمل كاسبا أو متكسبا منه، ولا يقبل أن يبيعك المعلومة مجانا.

هكذا إذن، وبعد سلسلة من الاتصالات والتوقف عن البحث غير ما مرة، والمراسلات واعتماد البحث أكثر في المصادر المتاح الوصول إليها، من أجل تدقيق التأريخ والتحقيب الزمني، وتحديد الأمكنة وتلمس العثور على صور توثق لحدث إنشاء كل قاعة سينمائية بفاس، ومعرفة مدى تأثيرها على المحيط سلبا أو إيجابا، قبولا أو رفضا، وما كان لها من دور في الوعي الاجتماعي والثقافي وتنشيط الأندية السينمائية ومدى استمراريتها، وما خلفه إغلاق الكثير من هذه القاعات من انطباع ومن آثار اجتماعي.

 وبقصد مشاركة القراء والمهتمين بتراث القاعات السينمائية التي كانت تجلب عشاقها من الأطفال والشباب والكبار، وما تركته في نفوسهم من ذكريات وتجارب حياتية، أطرح كل ما توصلت إليه من المعلومات، ومقاربتها ومقارنتها بما عثرت عليه في بعض الصحف والمجلات القديمة وما زودني به بعض الشيوخ مشكورين، حول إنشاء هذه الدور أو الغرف أو القاعات أو الحدائق السينمائية الأولى في فاس، كنتيجة لهذا النبش والتعريف بهذا التراث المعماري بمدينة التراث الإنساني فاس، الغائبة الآن أو المغيب عنها أي نشاط أو تنشيط مرتبط بالقاعات السينمائية.

اترك تعليقاً