ذاكرة التحقيب الزمني لإنشاء القاعات السينمائية بفاس


ذاكرة التحقيب الزمني لإنشاء القاعات السينمائية بفاس
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

           في كل ما كتب وصور ووثق عن فاس، مدينة الثقافة والحضارة والعلم والأدب والتراث الإنساني والمجد التليد، لا تجد حديثا عن السينما قبل فترة الحماية والاستعمار.

 وكان هذا أمرا طبيعيا لأن السينما كمفهوم وكإبداع، يرتبط بنشأة السينما، وهذه النشأة لم يكتب لها الميلاد في العالم إلا في نهاية تسعينيات القرن 19 مع اختراع كاميرات التصوير السينمائي، حينما صنع الأخوان، لويس وأوغست لوميير، أول كاميرا سينمائية، وأول جهاز عرض سينمائي سنة 1895.

 ولم يتأخر المغرب في نقل السينما، وإن كانت على يد المخرج لويس لوميير في سنة 1897 حينما قام بتصوير فيلم " راعي الماعز المغربي " أو الفارس المغربي"le chevrier Marocain   ، أي بعد سنتين فقط من صنع الكاميرا  وجهاز العرض.

 ويكتب الدكتور المشروح مكذبا هذا الطرح، ومؤكدا، من خلال بحثه، أنه لا وجود لفيلم بهذا الاسم، وأن الأخوين لوميير لم تطأ أقدامهما المغرب أبدا *1 مقال عزيز باكوش  هيسبريس 17 يوليوز 2023.

  وبغض النظر عن هذا الخلاف بين الطرحين، حول تصوير هذا الفيلم، فإن استيراد أول جهاز عرض تأخر إلى سنة 1905 من أجل الترفيه الشخصي للسلطان مولاي عبد العزيز، في فاس، * 2 - وذلك وفق ما كتبه الصحفي المحلي، مارسيل بويون، بعد زيارته للقصر حوالي 1915.

 ولعل هذه المحطة كانت حافزا على تأسيس وإنشاء غرف وفضاءات عرض للعامة، سكان فاس والمقيمين فيها، إلا أنه رغم هذا الحافز، لم تكتب الأقلام المغربية، ولم يوثق لأي حدث يهم السينما والقاعات السينمائية بفاس، فإما لأنه لم تتم حفظ ذاكرة هذا الحدث، أو أنه ضاع، وتلاشى منه ما قد يكون قد حفظ بشكل ما، تحت هيمنة الفكر الاستعماري الذي ركزت أفلامه وفكرة إنشاء قاعاته على ما هو فرنسي وأجنبي، في علاقته مع الذات المغربية واستهجان الإنسان المغربي، وتمجيد الغرب علما وتقنية وحضارة وقوة وثقافة.

إلا أن هذه السلبية تم تجاوزها بعد طرد المستعمر وحصول المغرب على استقلاله، حيث انتقل المغاربة، منذ سنة 1956، مباشرة للتعرف على سينما الاستقلال، ولكن من حيث العروض والمضامين والفرجة والترفيه، أكثر من القاعات كمعمار وطريقة بناء، وشكل تصميم، وجدوى مكان.

  وبغض النظر عن مضمون أفلام المستعمر وخلفياتها، فإن نشأة معظم القاعات السينمائية بفاس، تمت في الحقبة الاستعمارية بسلبياتها وإيجابياتها، وبرفضها من طرف البعض، وبالقبول بها من طرف البعض الآخر، وكيف أصبحت جزءا من التراث الفني في المدينة، وتم إغناؤها بمنشآت جديدة لملاك مغاربة قبل وبعد الاستقلال مباشرة، فكانت نشأة عدد من القاعات: سينما الهلال، وسينما الملكية ، وسينما الأندلس، وسينما الشعب، وسينما موريتانيا، و سينما الأمل، ولكنها مع كل القاعات التي احتوتها المدينة، أصابها الشرخ والإهمال والإلغاء أو الهدم، ولم يبق حيا منها سوى ذاكرة أمكنتها، أو استحضار هذه الأمكنة، من خلال تلك العلاقات والذكريات التي كانت، إلى حين، تجسد الوعي  الاجتماعي والثقافي والسياسي، وتمثل القضايا الإنسانية، وانشغالات الذات بهموم حياة الإنسان وحرقتها وأفراحها، فبقي المواطن يكابد مع هذه الانشغالات والهموم ، ولم يعد يجد قاعة سينما أو فضاء للعرض، وحتى إذا تواجد لظرفية معينة وفي دور معينة، لم يكن ملائما لجميع الفئات والأعمار، وقد لا تكون مضامينه ترضي تنوع الأذواق والاهتمامات، إلا بما قل وندر.

 


اترك تعليقاً