الألمان يتوجهون إلى صناديق الاقتراع برسم انتخابات تشريعية حاسمة


الألمان يتوجهون إلى صناديق الاقتراع برسم انتخابات تشريعية حاسمة صورة - تعبيرية
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      يتوجه الألمان، غدا الأحد، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان اتحادي جديد (البوندستاغ)، وسط أزمة متعددة الأبعاد تتجلى في ركود اقتصادي مستمر، وصعود اليمين المتطرف، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي.

وتعد انتخابات البوندستاغ 21 ، التي دعي إليها الناخبون عقب انهيار الائتلاف الحكومي بقيادة المستشار الاجتماعي-الديمقراطي، أولاف شولتس، من بين الانتخابات "الأكثر حسما" في التاريخ الحديث لألمانيا، حيث يتوقع أن تعيد رسم المشهد السياسي الداخلي وتحدد مستقبل البلاد على الساحة الجيوسياسية.

وتواجه ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، ركودا للعام الثاني على التوالي (-0.3 بالمائة في 2023 و-0.2 بالمائة في 2024)، مما يضعها أمام تحديات مترابطة ، مثل أزمة الطاقة ، والتوترات الجيوسياسية ، والضغوط المتعلقة بالهجرة.
إلا أنه وقبل يوم من الانتخابات الفيدرالية، يتصدر فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظون)، نوايا التصويت بحوالي 30 بالمائة. أما حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي تقوده أليس فايدل، فيحتل المركز الثاني بنسبة 20 بالمائة. ويعكس هذا الترتيب تشتت المشهد الانتخابي الألماني، حيث أصبح الحزب اليميني المتطرف، رغم حداثة تأسيسه قبل 12 عاما، عاملا مربكا في الانتخابات وأحد أكثر المواضيع إثارة للجدل.
بينما في المقابل، يحتل الحزب الاجتماعي-الديمقراطي، الذي ينتمي إليه المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، المركز الثالث بفارق ضئيل عن حزب الخضر، الذي رشح نائب المستشار ووزير الاقتصاد وحماية المناخ الحالي، روبرت هابيك، لمنصب المستشارية.
أما الحزب الديمقراطي الحر، بزعامة كريستيان ليندنر، وزير المالية السابق، والذي أدى عزله في نونبر الماضي إلى انهيار الائتلاف الحكومي، فيواجه خطر عدم تجاوز عتبة 5 بالمائة اللازمة لدخول البوندستاغ ، حيث لا تمنحه استطلاعات الرأي سوى 4 بالمائة من الأصوات قبل يومين من الاقتراع.
وأثار الصعود السريع لحزب البديل من أجل ألمانيا مخاوف كبيرة، إذ أعاد إلى الأذهان صفحات قاتمة من التاريخ الألماني. وعلى الرغم من تمسك الأحزاب السياسية في البلاد بمبدأ "الطوق الصحي"، الذي يمنع أي تحالف مع اليمين المتطرف على المستوى الفيدرالي، إلا أن تصويتا مثيرا للجدل في البوندستاغ على قانون الهجرة ، مر بدعم من حزب اليمين المتطرف ، ما أثار تساؤلات حول موقف المحافظين.

ورأى المراقبون في هذا التصويت "تقاربا خطيرا" بين المرشح الأوفر حظا واليمين المتطرف، مما دفع ميرتس إلى توضيح موقفه والتأكيد على أن ائتلاف "الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي" لن يعقد أي اتفاق مع "البديل من أجل ألمانيا" عند تشكيل الحكومة المقبلة.
وفي حين أصبح "البديل من أجل ألمانيا" ثاني أقوى قوة سياسية في البلاد، تلقى دعما من الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي صرح بأن هذا الحزب هو الوحيد القادر على "إنقاذ ألمانيا". وأثارت هذه التصريحات جدلا واسعا حول التدخلات الأجنبية عبر المنصات الرقمية الكبرى في المشهد السياسي الألماني، ودورها في نشر الخطاب المتطرف.

وتعيش ألمانيا حالة من الاضطراب الاقتصادي، مع ركود متواصل، وارتفاع التضخم، وتسريح للعمال في قطاعات استراتيجية، خصوصا صناعة السيارات. كما أن الانتقال الطاقي، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والمنافسة الصينية في سوق السيارات الكهربائية تضع الصناعة الألمانية في مأزق.
وسيكون أحد التحديات الكبرى للحكومة المقبلة هو إعادة إنعاش الاقتصاد، مع التوفيق بين التقشف المالي والتدخل الحكومي، وهي قضية كانت في صلب التوترات السياسية وأحد الأسباب الرئيسية لسقوط الائتلاف السابق بسبب ما ي عرف بـ "كبح الديون".

واحتل ملف الهجرة مكانة بارزة في الحملة الانتخابية، خاصة بعد وقوع هجمات دامية تورط فيها أجانب، مما أجج الجدل حول قضايا الهجرة والأمن.
وفي هذا السياق، يدعو كل من فريدريش ميرتس وأليس فايدل إلى تشديد السياسات المتعلقة بالهجرة، في حين يدافع كل من حزب الخضر واليسار عن نهج أكثر انفتاحا وتنسيقا على المستوى الأوروبي.
ورغم قرار ألمانيا تمديد عمليات مراقبة حدودها البرية لستة أشهر إضافية، فإنها تواجه نقصا حادا في اليد العاملة ، مما يفرض عليها البحث عن توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والضغوط السياسية. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن البلاد بحاجة إلى 400 ألف عامل أجنبي سنويا لسد هذا العجز.
وأيضا لا تزال الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على ألمانيا، التي تجد نفسها في وضع صعب بعد توقف إمدادات الغاز الروسي، مما زاد من تكلفة الانتقال الطاقي وأدى إلى ارتفاع أسعار الإنتاج.
وفي حين يدعو حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى رفع العقوبات المفروضة على موسكو، يصر الحزبان الاجتماعي-الديمقراطي والخضر على ضرورة مواصلة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا. وسيكون حجم هذا الدعم أحد الملفات التي سيتم حسمها بعد الانتخابات.
وفي سياق التوترات الدولية، شغلت العلاقات عبر الأطلسي جزءا مهما من الحملة الانتخابية.
فخلال مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انعقد بين 14 و16 فبراير، صرح نائب الرئيس الأمريكي، جاي دي فانس، بأن أوروبا "يجب أن تتخذ إجراءات كبرى لضمان أمنها الذاتي"، كما انتقد تراجع الديمقراطية وحرية التعبير في القارة.
وأثارت هذه التصريحات صدمة في ألمانيا، حيث رأى المحللون فيها مؤشرا على احتمال تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها التقليدية تجاه أوروبا، مما يعكس تغيرا في أولويات واشنطن الاستراتيجية.
ومع تشتت المشهد السياسي وعدم وجود أغلبية مطلقة، سيصبح تشكيل ائتلاف حكومي أمرا ضروريا بعد الانتخابات، التي ينتظر أن يشارك فيها نحو 59 مليون ناخب.

ومن بين السيناريوهات المطروحة، هناك احتمال لائتلاف يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي مع الحزب الاجتماعي-الديمقراطي، وهو خيار يحظى بدعم ثلث الناخبين وفق آخر استطلاعات الرأي، أو تحالف يشمل حزب الخضر. في المقابل، تبدو إعادة إدماج الحزب الديمقراطي الحر في الحكومة أمرا مستبعدا.
وأيا كان شكل الحكومة المقبلة، فإن ألمانيا تقف على مفترق طرق تاريخي. وتجذب هذه الانتخابات اهتماما كبيرا داخل البلاد وخارجها، حيث يترقب الألمان شخصية سياسية قادرة على إخراج البلاد من أزماتها وتعزيز نفوذها على الساحة الدولية.


اترك تعليقاً