إيمان كمال الإدريسي رحلة فنية غامرة لمسار فني استثنائي


إيمان كمال الإدريسي رحلة فنية غامرة لمسار فني استثنائي
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      تعد إيمان كمال الإدريسي، المرأة المغربية المقيمة بالديار البرتغالية، واحدة من المغربيات اللائي حفرن لهن اسما خاصا وأثبتت وجودها ببلد الإقامة، عبر مساهمتها القيمة في مجالي الثقافة والفنون التشكيلية.

إيمان، التي رأت النور في مدينة الدار البيضاء، والحاصلة على شهادة البكالوريا شعبة العلوم سنة 2000، شقت مسارها عبر رحلة غامرة بين الثقافات والتخصصات والقارات، حيث قادها الفضول والسفر وشغفها الذي لا يخبو إلى الفن بجميع أشكاله، من الرسم، إلى التصوير السينمائي، فقصص الأطفال.

بأسلوب مبدع وأنيق، تستخدم تقنية جديدة ومبتكرة تمزح بين القوام والسرد البصري، ولوحات تتضمن تركيب عدة طبقات من البلكسيغلاس، فاستطاعت إبداعاتها وأعمالها الفنية أن تثير اهتمام الفنانين التشكيليين، ورواد الفن بالعديد من البلدان، لاسيما بالبرتغال.

وإذا كانت إيمان، التشكيلية المغربية التي تمكنت من البصم على تجربة رائدة، لقيت استحسانا في البرتغال، من خلال أعمال فنية تتنوع من حيث ثيماتها والتقنيات والمواد المستعملة، فإن المسار الذي قادها نحو التميز في بلد المهجر يقوي من فضول البحث في تفاصيل هذا المسار، وتقديمها لجمهور مغربين عادة ما يبدي الكثير من الاعتزاز بالنجاحات التي يحققها المغاربة في عوالم أخرى.

أظهرت هذه الفنانة المسكونة بالألوان، منذ حداثة سنها، نضوجا لافتا، حيث أصبحت في سن العشرين أصغر معلمة في المغرب بعد حصولها على شهادة التخرج من مركز تكوين المعلمين بالقنيطرة.

تقول إيمان: "اكتشفت قوة نقل المعرفة والدور الأساسي للتعليم في إحدى المدارس القروية بشمال المغرب، وبين صعوبات الولوج ونقص الموارد، وغنى تبادل الأفكار مع التلاميذ، كان أول درس قيم تعلمته من هذه التجربة هو الصمود".

لكن شخصيتها التواقة للحرية ورغبتها الجامحة في الإبداع دفعتها إلى اكتشاف آفاق جديدة، حيث استأنفت دراستها في المجال السمعي البصري، وتخصصت في المونتاج والإنتاج الوثائقي، وعملت على عدة مسلسلات وأفلام، وبعد مدة قصيرة انقطعت هذه المغامرة، عندما قررت خوض تجربة السفر، كمضيفة طيران في إحدى الشركات العربية المعروفة، وهي الوظيفة التي سمحت لها برؤية العالم من زاوية أخرى، والتفاعل مع ثقافات متعددة، وفي نفس الوقت تغذية رؤيتها الفنية.

وفي بوحها المتواصل، تتوقف عند نقطة تحول حاسمة في مسارهان تتمثل في استقرارها بموزمبيق، هذا البلد الإفريقي الذي سيربطها لاحقا بالبرتغال، حيث تعيش في الوقت الحاضر، "هناك بالموزمبيق، انكشف جانب جديد من حياتي: إيمان الرسامة، تحررت من قيود الوظيفة القارة، وكرست وقتي، بالكامل، للفن وعرضت أعمالي الأولى في معرض (Núcleo de Arte) في مابوتو".

إلى جانب الرسم، واصلت هذه الفنانة اكتشاف أشكال تعبيرية أخرى، حيث قامت برسم لوحة جدارية تكريما لغسان مانيب أحمد، مهندس نظام أمن المطارات في موزمبيق، لتكون تلك اللوحة عنوانا لقصة نجاح جديدة، وأضحت رمزا للذاكرة في هذا البلد الإفريقي.

وبحكم شغفها بالصور والقصص المرئية، التحقت إيمان كمال الإدريسي ب "الجمعية الموزمبيقية للمصورين السينمائيين"، وأنتجت معها عدة أفلام وثائقية ومؤسساتية حول القضايا البيئية، وحققت، في هذا المجال أيضا، نجاحا لافتا، خاصة بعد انتقاء أحد هذه الأفلام، المخصص للمياه، في مهرجان "Cidadão" في برازيليا وحصوله على جائزة لجنة التحكيم الاستثنائية.

لا تمل ولا تكل في كل مناسبة من الإفصاح، عن عشقها للمغرب، شغف توج بتكريمها، خلال احتفالات عيد العرش لسنة 2019، حيث مثلت الجالية المغربية بدول الجنوب الإفريقي، وقرأت الكلمة الختامية لهذا الحفل.

ستطرق، أيضا، باب أدب الأطفال عندما شاركت مع صديقة برازيلية في تأليف كتاب موجه لهذه الفئة، حيث جمعت بين موهبتها كرسامة وحبها للقصص، ومن خلال هذا العمل، نقلت إلى الصغار عالمها المسكون بالشعر والعجائب.

بعد عدة سنوات قضتها في الجنوب الإفريقي، استقرت هذه الفنانة الشغوفة في لشبونة حيث واصلت رحلتها الفنيةن هناك بالعاصمة البرتغالية، قامت بتطوير أسلوبها واستمرت في العرض، حيث قدمت نهجا مبتكرا في فن البورتريه والرسم المنظوري، ليصبح عملها دعوة للحوار بين الثقافات، واستكشاف الهويات التعددية والمشاعر الكونية.

واعتبرت أن أعمالها "انعكاس حميمي لمسار حياتها"، حيث تتطور أعمالها بتطور تجاربها والثقافات التي أثرت فيها، من موزمبيق، إلى البرتغال، كما أن ارتباطها بجذورها الأمازيغية، وانغماسها في ثقافة الرأس الأخضر أضفيا بعدا جديدا لأعمالها، حيث تزاوج بين التأثيرات الإفريقية والأطلسية.

ولا تقتصر مساهمة هذه الفنانة على الإبداع الفني فحسب، بل تمتد إلى دورها كسفيرة ثقافية تعمل على تعزيز العلاقات بين المغرب والبرتغال، من خلال مشاركتها في معارض فنية، ومشاريع مشتركة، تساهم في بناء جسور التواصل بين الفنانين والمثقفين من آفاق مختلفة.

وإلى جانب المعارض، تقدم الفنانة ورشات عمل لتعليم تقنياتها الفريدة في تركيب الطبقات المتعددة والمنظور والتفاعل البصري، مما يتيح للمشاركين استكشاف أبعاد جديدة في الفن، وبالنسبة لها، الفن لغة بلا حدود، ووسيلة لنسج الروابط بين الناس وسرد القصص التي يتردد صداها خارج الاختلافات.

وإذا كانت حياة الفنان طريقا مليئا باللايقين، فإن إيمان كمال الإدريسي تجد فيها ثراء لا يقدر بثمن. وتقول: "الفن يغذي الروح بقدر ما يحتاج الجسم إلى العناصر الغذائية".

 وبهذه القناعة تواصل الإبداع والسفر والتنقل، متسلحة بجذورها وهويتها المغربية متعددة الروافد وتجربتها الفنية التي تعكس التزامها باستكشاف مسارات فنية جريئة تتجاوز حدود الممكن.

اترك تعليقاً