مراجعة التوظيف في القطاع العمومي بتونس تصفية حسابات أم إصلاح وظيفي ؟
تعيش تونس جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض لقرار للرئيس التونسي، قيس سعيد، أوائل شهر شتنبر الماضي، يتعلق بمراجعة التوظيف في المؤسسات والمقاولات الحكومية بعد أحداث 2011، لاسيما بعد أن عرفت الإدارة التونسية توظيفات صنفت ب"العشوائية" استنادا لمرسوم "العفو التشريعي العام". ويأتي هذا الجدل بعد إعلان الرئيس عن إجراء تدقيق شامل لعمليات الإلحاق بالوظيفة العمومية، في خطوة يسعى من خلالها إلى إعفاء كل الموظفين "الذين تم توظيفهم بشهادات مزورة أو عبر ولاءات سياسية". ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن هذا القرار الذي تم بمقتضاه تشكيل لجنة مختصة في إصلاح الإدارة التونسية، ''ذو طابع سياسي، ويندرج ضمن مسعى الرئيس، قيس سعيد، للتخلص من خصومه السياسيين وفي مقدمتهم حركة النهضة (ذات التوجه الإسلامي المعارض) وكذلك بقية الأحزاب السياسية التي تخالفه الرأي، واتخذت موقفا نقديا اتجاهه''. واعتبر الجورشي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مثل هذا الإجراء '' الذي قد يشمل آلاف الموظفين في الدولة، يحصل لأول مرة في تونس، بما في ذلك مرحلة تأسيس الدولة"، مشيرا إلى أنه يمثل "سابقة خطيرة". وشدد على أن قرار الرئيس التونسي بمراجعة التوظيفات التي حصلت عام 2011 لاسيما في الوظيفة العمومية ''لا يعتمد على مقاييس واضحة ودقيقة باعتباره يخص الموظفين الذين تم إلحاقهم بالإدارات التونسية في الفترة السابقة بناء على توصيات أو تدخلات أطراف سياسية". وأوضح ''أن هذا يعد، في حد ذاته، عنصرا مثيرا للشكوك والتساؤل، إذ أن محاسبة الموظف في العادة تتم إثر ارتكابه لخطأ فادح، أو لتقصير في أدائه وليس على أساس تدخل لصالحه في فترة ما ليتمكن من الالتحاق بسلك الوظيفة". وبعد أن أ قر المتحدث بأن الإدارة التونسية بحاجة فعلية إلى إصلاحات جذرية، استطرد أن ذلك يجب أن يتم "مع اعتماد مقاييس واضحة ومضبوطة واحترام تجنب كل صبغة انتقامية". وعبر المحلل عن مخاوفه من أن يكون "هذا الإجراء فرصة لتصفية الحسابات السياسية". وخلص إلى القول إنه بموجب قرار الرئيس، قيس سعيد، "قد يحال عشرات الآلاف من الموظفين إلى التقاعد الإجباري، وهو ما يعتبر إجراء خطيرا لن يقوم بإصلاح الإدارة التونسية بصفتها تعاني أصلا من مشاكل أكبر، تهم جانب القوانين والهياكل الموجودة وكيفية المحاسبة ومراقبة الموظفين ". في المقابل، يرى الناشط السياسي أحمد الكحلاوي، في تصريح مماثل للوكالة، أن'' إصلاح الإدارة التونسية اليوم يعد أمرا ضروريا و مستعجلا لتحريك عجلتها، بالنظر لعملية الاختراقات التي شملتها خلال العشرية الأخيرة". وقال ''لا ضرر من مراجعة الرئيس التعيينات" بعد 2011 "التي شهدت إغراقا للإدارة بتعيينات مشبوهة مبنية على الولاءات الحزبية على حساب المال العام"، موضحا أن قطاعات الصحة والتعليم، على سبيل المثال، شملت توظيفات مشبوهة لأشخاص غير أكفاء ولا يتوفرون على شهادات علمية، واصفا هذا ب"الأمر الخطير جدا". وأضاف أن الرئيس "يسعى لإصلاح الإدارة وتنقيتها وتحريك عجلتها"، مشددا على ضرورة أن تكون إدارة الدولة صادقة وجدية وأمينة . وبلغ عدد المستفيدين من مرسوم "العفو التشريعي العام" الذين تم توظيفهم عشوائيا بشكل مباشر في الوظيفة العمومية دون إجراء مباراة بعد 2012 إلى 6839 موظفا، حسب دراسة رسمية أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة التونسية. كما بلغ عدد عمال السلالم الدنيا الذين تم توظيفهم بعد سنة 2012 حوالي 54 ألفا. وقال المتحدث ''لا أحد ينكر أن العشرية الماضية شهدت العديد من التجاوزات فيما يتعلق بالتعويضات أو الوظائف المسندة بالولاءات"، مشددا على أن التدقيق في التعيينات بالوظائف الحكومية الذي نص على إعفاء كل موظف من مهامه بالإدارة المركزية من قبل الوزير، "سينصف من يستحقون الإنصاف ويحاسب من ليس لهم الحق في التوظيف ". وقد بدأت وزارة الداخلية التونسية، بالفعل، إعداد لوائح بأسماء الموظفين المشمولين بالإعفاء. ووفق المراقبين، فإن قانون التوظيف بتونس تم وفق "طرق اعتباطية" بعد سن مرسوم العفو التشريعي العام إبان أحداث 2011. ويتمتع بموجب هذا المرسوم (فبراير 2011 ) بالعفو التشريعي العام على الأشخاص المحكوم عليهم قبل 14 يناير 2011 ، وكانت محاكمتهم ذات طابع سياسي أو إيديولوجي سواء كانوا في السجن أو في المنفى. ويتزامن هذا الجدل مع مطالبة المانحين الدوليين، بما فيهم صندوق النقد الدولي، إلى العمل على تخفيض كتلة الأجور في القطاع العمومي بتونس التي تعد واحدة من أعلى المعدلات في العالم كونها تقدر 2 ر14 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، وفق إحصائيات وزارة المالية التونسية.