كأس العالم في فاس - إزالة وشاح الحداد


كأس العالم في فاس - إزالة وشاح الحداد
محمد التهامي بنيس

      ولأن مدينة فاس عريقة ، فإنها تعرف أن لكل فعل أوانه ، وأن أوان رفع وشاح الحداد عن وجهها ، يقنعها أنه لم يكن إلا في مرحلة هدوء وتأمل وليس لمرحلة عناد أو خمول ، وقدر له أن يستمر ما استمر من الزمن المقلق .إلى أن جاء أوانه مع الخبر الجليل الذي  زف للمغاربة يوم 5 أكتوبر 2023 في إعلان رسمي عن فوز الملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال بتنظيم بطولة كأس العالم 2030 كترشيح وحيد ، وإذا كان المغرب قد استبشر خيرا بهذا الخبر بفضل ثقة المغاربة قاطبة في إشراف جلالة الملك على هذا الملف وإعلانه شخصيا على هذا الفوز المستحق ، وإذا كانت مرحلة الدخول الجدي في الاستعدادات قد حلت ، بما يلمس في الملاعب الكبرى المعلن عنها في كل من الدار البيضاء التي شرعت في تهيئة مركب محمد الخامس وبناء ملعب ضخم في بنسليمان وفق المواصفات العالمية المطلوبة ، وفي مدينة الرباط التي شرعت في تهيئة مركب الأمير مولاي عبد الله ، وفي مدينة طنجة كما في مدينة أكادير ، وفي مدينة مراكش كما في مدينة فاس ، فإن استبشار فاس وسكانها ، يعتبر مضاعفا ، لأنها رأت أن صبرها أتاها بالجبر ، خاصة وقد رصد غلاف مالي هام  ليتم الشروع في زيادة توسعة المدرجات وإزالة حلبة ألعاب القوى في ملعبها كي يتحول من ملعب أولمبي إلى ملعب عالمي وفق مواصفات الاتحاد الدولي لكرة القدم ، ولكن بمراعاة لمسات الهندسة والطابع المعماري للمدينة كي تجعل منه لوحة فنية مبهرة تنضاف لجمالية المشاريع المزمعة للنهوض بالمدينة ضمن نفس الغلاف المالي المرصود . فإن فاس ترى أن الاستبشار بالخير بالنسبة لها لا ينحصر عند إصلاح ملعبها الكبير، وإنما يمتد متفائلا إلى النهضة التنموية الشاملة التي قد ترد الاعتبار لها بفضل ضخامة الإنجازات التي تمت وبالإنجازات المنتظرة بالسرعة القياسية  وقريبا وبدءا من جاهزية الملعب ومحيطه الخارجي لاحتضان مباريات من كأس إفريقيا سنة 2025 وجاهزية العاصمة الروحية للمملكة ليحج إليها الأفريقيون للتباري ولاستمتاع والسياحة والتسوق وزيارة المرافق الدينية وصلة الرحم وربط الحاضر بالماضي والاستئناس بالتشوف للمستقبل المشترك ، فتسجل زيارتهم أثرها على إنعاش الاقتصاد المحلي وتنشيط الرواج التجاري والسياحي ، بالإضافة إلى أن فاس تؤمن أن الزوار يعتبرونها جزءا من التاريخ والحضارة الإنسانية التي يتعطشون فيها لملامسة مهد الحضارة العربية ومعانقة المضيفين وتذوق حسن استقبالهم واستضافتهم خلال كل زيارة متجددة . 

 إن استضافة زوار إفريقيا – كاستضافة الزوار من كل بقاع العالم - في مدينتهم الثانية فاس ، يساهم في إزاحة وشاح ثوب الحداد عنها ويعيد لها بعضا من حيويتها وبعضا من حبور أهلها وكل محبيها في كل الربوع ، المرحبين بالضيوف بالبشاشة المعهودة وجودة المعاملة وكرم الضيافة في الأيام العادية ، فكيف والحال مع اختيارها  ضمن مدن استضافة كأس العالم ، حيث الأمر أيامها سيحولها بقلبها الشغوف ومتحفها المفتوح إلى مدينة ذكية أصيلة توفر المتعة بالأنشطة المتنوعة ، كما توفر ظروف إقامة الوفود ومنتخبات الدول التي ستحظى بالتباري في ملعبها الكبير وقد زادته المدرجات الجديدة جودة عالمية وأناقة فاسية ، كما توفر ظروفا سياحة ممتعة بمرافقها التي تشكل لوحة فنية انسجمت عناصرها عبر إبداعات نسجتها أذواق صناع كل مرحلة تاريخية منذ إنشاء الدولة الإدريسية , فكانت بوتقة بين السلالات والثقافات المتعاقبة وما نسجته من التراث المعترف به عالميا ، الأمر الذي جعلها وجهة مفضلة للسياح وعشاق الاكتشاف والمهتمين بالطبيعة والتاريخ وفن العيش وكرم الضيافة ، والذين كلما غادروا فاس كانوا راضين متعطشين للعودة إليها ، كما تطمح لأن يكون حظ الوافدين الجدد من نفس المستوى. 

فإشراك فاس في كأس العالم لكرة القدم ، لا يساهم فقط في إعادة المكانة المستحقة التي كانت تحتلها . بل هو إجراء مرحب به للتغلب على إزاحة وشاح الحداد والتجهم عنها وتمكينها من أن تحقق تعافيا يكون أكثر صلابة ، ويثبت جدارتها في التنمية المستدامة والعمل اللائق والدخول في لوحة الوظائف الخضراء وحقل الذكاء الاصطناعي والتنمية الاقتصادية – تكنو بارك فاس - المتوافق مع المخزون التراثي . وامتلاك مسرح كبير بمقومات تتيح إبداعات تنضاف لمسرح الساحات وفرجة الحلقة . وقصر للمؤتمرات يرجع لها نكهة استقبال الندوات والمؤتمرات العالمية التي ستكون أهلا لها اليوم وغذا كما كانت أهلا في الأمس القريب . وشبكة بيئية لوسائل صديقة البيئة ، منها ترامواي الذي سبق ونبهنا لأهميته في مقالة اقتراح تصور قابل للملاءمة نشر يوم 8 نونبر 2017 حيث وصفنا بتلخيص . أن وظيفة المشروع ، هي إصلاح الحاضر بواقعه والتشوف إلى المستقبل لمعاصرته وفق ما تحتاجه المدينة كعاصمة تاريخية وعلمية تقبل بالعلوم والتقنيات التي تساعدها على الارتقاء لمصاف مثيلاتها في العالم ، مع تعزيز الجاذبية السياحية والنهوض بعيش المواطنين وإشعاع المدينة في برنامج تكميلي .                        

  كما أن فاس التي كانت مركزا اقتصاديا وممرا تجاريا أصبحت اليوم تستحق هذه الالتفاتة لتسهيل ربطها بالمدن الكبرى بإمكانيات حديثة ومواصفات عصرية من أجل سلامة التنقل وسهولته ، مرورا بمدن صغرى وقرى جبلية وسياحية خلابة ، وذلك بتحويل مشروعي القطار فائق السرعة بينها وبين الرباط والدار البيضاء عبر مكناس والخميسات ، والطريق السيار للربط بينها وبين مراكش عبر جبال الأطلس المتوسط مخترقا خنيفرة وبني ملال ، إلى إنجاز سريع يتيح مشاهدة جمالية المنطقة ويوفر سهولة التنقل أيام كأس العالم وبعدها وباستمرار. 

نعم ، إنها مشاريع رحبت بها فاس وبتنويه ، ولكن فاس لا تخفي بعض القلق الذي نتمنى زوال سحابته بفعالية اللجنة المكلفة بالتدبير والتتبع إذا ما طرح ربط عملية توزيع ملاعب كأس العالم بين الدول المحتضنة الثلاث ، وما قد يثيره من مشكل تنظيمي بين إسبانيا والمغرب على اعتبار أن البرتغال مكتفية بثلاثة ملاعب ، ففي هذه الأثناء يجب الدفاع على أن تحظى بلادنا بست ملاعب من 11 كما هو مزمع حتى لا تحرم أي مدينة من شرف هذا الاحتضان ، وحتى لا تدخل المدن المغربية المقترحة في التنافس ، لأنها كلها تستحق وكل منها لها مميزاتها وكلها مع بعضها تضمن نجاح التظاهرة بما يشبع نهم الزوار من تنشيط وحسن تنظيم وأنشطة موازية متنوعة من شأنها أن تعطي الإشعاع والفرجة والاستمتاع بمميزات البيئة المغربية ، طبيعية كانت أو مادية ، جبلية كانت أو في السهول ، داخلية كانت أو ساحلية ، عصرية كانت أو عريقة . لكن هذا الاستمتاع والتكامل واستدامة التلاقح ، بقدر ما هو يتيح فرصة الاستفادة من مناسبة كأس العالم بالبلاد ، فهو فرصة ترقبناها طويلا ونعرف أنها لن تتكرر بسهولة.                 

     كما أن عناصر الجدب السياحي والرياضي هاته ، لا تحصل في حالة إقصاء أية مدينة وهذا ما لا نريده ونطمح لأن نتقن ونحسن الدفاع عن ضمان المدن الست أثناء عملية توزيع الملاعب 11 ما دامت هناك عدة عناصر يمكن استخدامها في الترافع وإدخالها في الحسابات ، منها مثلا مسألة ملعب المباراة النهائية ومنها أيضا أن إفريقيا لم تحظ في تاريخها الكروي باحتضان بطولة هذه الكأس سوى مرة واحدة طيلة 100 سنة من عمرها ، وأنه سبق أن حرم منها المغرب 2010 ومنها أيضا أن دورة بطولة 2030 ستجعل الاحتفال بالذكرى المئوية الذي تقرر أن يجرى في الأوروغواي بصفتها المحتضنة لأول بطولة لكأس العالم بين 13 و 30 يونيو 1930 ومنها كذلك أنه لا بد أن تراعى للمغرب طفرته التنموية ودوره وتطلعه لتنمية القارة وتحرير سلاسل القيمة فيها ، سيما " وأن مقارنة مؤشرات تطوير البنيات التحتية في إفريقيا ونظيراتها في بقية جهات العالم توضح جليا أن البلدان الإفريقية تعاني خصاصا مهولا في هذا المجال"  كما تؤكد عليه الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة 4 لمنتدى الاستثمار الإفريقي المنعقد بمراكش ، ومنها أيضا مراعاة أن تحقيق الأمن والسلام بإفريقيا وما له من علاقة بتوفير الأمن والسلام  لأوروبا والعالم ، إضافة إلى مراعاة طفرة المنتخب الوطني ونتائجه الرياضية وخاصة حضوره المتميز في مونديال قطر بجماهير شهد لها بجودة التنشيط وضبط التشجيع بمستوى عال ، كان محط إعجاب الجميع. 

                                                                                          

         إن ضمان حظوة المغرب بست ملاعب وضمان أن تحظى فاس باستضافة بعض مباريات هذه الكأس ، أمانة في عنق اللجنة المعينة ، وعسى دفاعها يكون دفاعا على المحافظة على ملاعب المدن الستة جنبا إلى جنب كالدفاع  عن أحقية احتضان مقابلة النهاية ، وأن لا تكون هناك مساومة بين عدد الملاعب ومباراة النهاية . وهذا ما تتمنى فاس بأصالتها وتاريخها وسكانها وعشاقها أن يتحقق لبلادنا وتتقاسم عائداته كل البلاد بما يحققه من ارتفاع وثيرة الاستثمار والطفرة الاقتصادية و تقوية موقع المغرب على المستوى الجيوسياسي.                                                                                        

   لكن جذير بالملاحظة ، أن فاس حاليا يحز في نفسها غياب أية مبادرة من المسؤولين والمنتخبين محليا وجهويا – لا تكون مبادرة تشويش على المسار – وإنما يكون من شأنها أن تشكل دعما ملموسا ودفاعا قبليا وموازيا للدفاع عن كل اقتراحات الملف المغربي ، بل مبادرة تبرز خصوصيات فاس وجهة فاس مكناس وتعطي دعما للجنة الوطنية المكلفة بالمهمة ، هذه اللجنة التي لا تفتقر للكفاءة واللباقة. 


اترك تعليقاً