قف الحقيقة أولا !


قف الحقيقة أولا !
إدريس بوعباني

      أنهت اللجنة الوزارية بمشاركة الفرقاء الاجتماعيين عشية يوم الثلاثاء 26 دجنبر 2023 آخر التعديلات التي أدخلت على النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية والتكوين، بعد سلسلة من المشاورات الماراطونية.

الحقيقة الأولى، أن الحكومة تأخرت كثيرا في معالجة الموضوع، مما أعطى انطباعا لدى الرأي العام بكونها غير جادة في التفاعل مع مطالب نساء ورجال التعليم في قطاع يحتل المرتبة الأولى بعد الوحدة الترابية.

الحقيقة الثانية، أن الحكومة رغم التلكؤ والبطء، فقد أبدت استعدادا في حلحلة الملفات التي ظلت أزيد من عشر سنوات  مركونة على الرفوف.

الحقيقة الثالثة، أن النظام الأساسي المعدل، استجاب إلى حد كبير إلى مطالب نساء ورجال التعليم، في الشق المعنوي – الحقوقي – أو المهني، وفي مقدمتها مسألة العقوبات، وتحديد المهام، ومركزة التعاقد، والنظر في الغلاف الزمني لكل سلك تعليمي، ....

الحقيقة الرابعة، أن هذه الإجراءات تطلبت غلافا ماليا محترما، رغم كونه لا يرقى إلى الطموحات والانتظارات، لكنه يبقى مكسبا مهما بالنظر إلى الغلاف المالي المرصود، والفئات العريضة التي استفاذت من هذا الحق بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصة في ظروف اقتصادية ومناخية صعبة، الشيء الذي فتح آفاقا جديدة، من المفروض أن يصاحبها تفاؤل وأمل في استشراف مستقبل أفضل، فالعمل النقابي بطبيعته عمل تراكمي، يتسم بخاصية التدرج  والاستمرارية في النضال.

الحقيقة الخامسة أن كل ما قدم كعرض، سواء في 10 أو 26 دجنبر 2023 لم ينل إعجاب كل من التنسيقية الوطنية والموحدة، المصرة على رفع سقف المطالب التعجيزية بدعوى عدم استجابة الحكومة لمطالبها، مما يؤكد استمرارها في الاحتجاج والإضرابات المتسمة بنفحات التطرف والغلو، وهذا يحيلنا على:

 الحقيقة السادسة، ألا وهي مصلحة التلميذ.

قبل الاتفاق الأخير، كان التلميذ رهينة بين الحكومة والتنسيقيات، وهذه الحقيقة أصبحت واضحة، وانتفت معها كل الأعذار التي لا تعجل بالعودة إلى الفصول الدراسية، مما يخفي أهدافا مبهمة تتجاوز الملفات المطلبية، لعلها تسعى لتحقيق أغراض سياسوية ونقابية فئوية ضيقة، تقايض بمصلحة التلميذ والمجتمع، فتأسيس النقابات حق دستوري مكفول للجميع، لكن لا ينبغي تحقيقه بالإفراط في ممارسة القوة والعنف، فكيف تستجدي التنسيقيات دعم الأسر، وهي تمارس التنكيل بمصلحة أبنائها، وتساعد على الهدر المدرسي؟.

إن داخل هذه التنسيقيات من يستثمر في الأزمة وفق أجندة خاصة، تتعارض منهجيتها مع مبدأ الحق والواجب، فهي تستمد إصرارها من الغموض القائم وضعف التقديرات، لخلق بديل نقابي تراهن عليه ليكون أكثر تأثيرا في الساحة التعليمية، يحظى بمشروعية ومراكمة المواقف النضالية، لكن بهذه المقاربة ستكون النتيجة هي الإجهاز على ما تبقى من المدرسة العمومية. 

فكيفما كانت المنطلقات والخلفيات، فهذا الأمر مرفوض أخلاقيا وإنسانيا ووطنيا.

اترك تعليقاً