فسحة رمضانية: سفر في ذاكرة القاعات الضائعة في فاس، قاعات سينمائية أنشأتها عائلات فاسية 1-سينما الأندلس


فسحة رمضانية: سفر في ذاكرة القاعات الضائعة في فاس، قاعات سينمائية أنشأتها عائلات فاسية 1-سينما الأندلس
أفريكا فور بريس - محمد التهامي بنيس

      أول ما استرعى، ويسترعي الانتباه، أنها وعددها ستة ، هي سينما الملكية، وسينما الأندلس، وسينما الأمل، وهي  في دائرة العدوة، وسينما الهلال " العشابين " في دائرة الأندلس من مقاطعة فاس المدينة، وسينما الشعب، وسينما موريطانيا  في منطقة عين قادوس من مقاطعة المرينيين، كلها مغلقة ومهملة وتحولت أبواب بعضها أو أجزاء من داخلها إلى محلات تجارية مثل: الهلال، والملكية، أو كلها داخليا وخارجيا إلى مستودعات ودكاكين تجارية، كما هو الحال بالنسبة لسينما الشعب، وإلى عمارة كما في سينما موريطانيا، أما الأمل والأندلس فتظلان مغلقتان مهملتان، لكن وضعيتهما على مرارتها تبقي بعض الأمل في أن تفتح أبوباهما من جديد، إسوة بالتجديد والإصلاح الذي عرفته سينما بوجلود.

فقد اختلفت أسباب ودوعي افتتاح سينما هذه السينما: فالبعض يؤكد أنها فتحت ضدا في المستعمر، حينما حفر قبره بيده، ساعة مدها إلى ملك البلاد، محمد الخامس ونفيه  1953 إلى كورسيكا ومدغشقر، واعتبرتها جهات سياسية أن إنشاءها يدخل في إطار تورة الملك والشعب، إذ وظفت أحيانا، كمقر اجتماع القيادات الحزبية والفدائيين في المنطقة، وغالبا ما كانت هذه الاجتماعات تتم – حسب الظروف - قبل عرض الفيلم بقليل أو بعده بقليل، بينما اعتبرت جهات أخرى، أن إنشاءها تم بإيعاز من المستعمر لإلهاء الشعب عن تتبع نشاط الحركة الوطنية، أو الانخراط معها في مقاومة الاستعمار، والأمر هنا يتعلق بقاعتي سينما الملكية، وسينما الهلال  ( العشابين )، لكن وقائع وأحداث استغلالهما وشعبيتهما، تنفي عنهما هذه التهمة، أما بقية القاعات التي أنشأتها عائلات فاسية، فهي سينما الأندلس، وسينما الشعب، وسينما موريتانيا، وسينما الأمل، مند أولى سنوات الاستقلال ، وكل القاعات الستة، ومع الأسف، أهملت وأغلقت في فترات متقاربة دون معرفة السبب، فكان من نتائج إهمالها، أنها جميعها فتحت وأغلقت على يد مغاربة، وبأموال مغربية، وتدبير بعقول مغربية، لم تحسن تجاوز الأزمة أو تدبيرها بمهارة وذكاء، وبقيت وكأنها لا تتوفر على شهادة ميلاد ولو بالسنة المفتوحة، ولا على شهادة وفاة،  ولو بسنة تقديرية، فالأمكنة معروفة، والأزمنة مجهولة، إلا واحدة منها هي سينما الأندلس التي تعرفها شهادة ميلاد افتتاحها.

                                     1 – سينما الأندلس                                               

  وموقعها من دائرة العدوة، في مقدمة واندو الطريق المقابلة لمدخل باب فتوح، وعن يسارها باب الخوخة، أي أن موقعها بالقرب من بابين تاريخيتين، إن لم نقل ثلاثة باعتبار باب الحمرا أيضا قريبة، وأنشئت سنة 1958 وفق ما أرشدنا لذلك الأخ الغالي السعداني، وتأكد لنا من لوحة من الجبس في بهو المدخل، ومن صور عملية تدشينها من طرف المغفور له محمد الخامس في هذه السنة، والتي لم نتمكن من رؤيتها إلا بشق الأنفس من شقوق الباب المغلقة، وإنارة البهو المظلم، والحالة المزرية للفضاء التي تؤكد لنا شيئا واحدا، أنها لا تستحق هذه اللامبالاة والنسيان، كما لو أنها عروس منحوسة، ما هي مطلقة ما هي عروسة.

أما ملكيتها فتعود لعائلة الأزرق المشهور بالجمل، إلا أن الإبقاء عليها متواجدة – كما يقول بعض باعة المأكولات الخفيفة ببابها – يرون في حالها وحال بابها، مصدر رزق يعيلون منه عائلاتهم، ويرى عشاقها في حال عادت للافتتاح والاشتغال، إحياء لأمجاد الحي ومجد المظهر المليء بالحياة والحيوية، وفضاء للترفيه والتنفيس والتثقيف، ولو لفترات قصيرة، يوميا.

اترك تعليقاً