قانون الإجهاض في البرتغال يثير جدلا من جديد


قانون الإجهاض في البرتغال  يثير جدلا من جديد
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      أثار تصويت الجمعية الوطنية الجمهورية (البرلمان) برفض مقترح يطالب بتوسيع حالات الإجهاض المسموح بها حاليا، تقدم به الحزب الاشتراكي، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، جدلا واسعا بين الأوساط السياسية في البلاد.

فبعد ما يقرب من عقدين من الاستفتاء الذي ألغى تجريم الإجهاض حتى الأسبوع العاشر، فشلت الأحزاب اليسارية في تمرير تعديلات تبيح الإجهاض الطوعي في البرتغال إلى غاية 12 أو 14 أسبوعا، وذلك عقب تصويت تحالف اليمين الحاكم وحزب شيغا المتشدد برفض هذا المقترح خلال الأسبوع الماضي.

ووفقا للمدافعين عن التعديلات، وعلى رأسهم الحزب الاشتراكي وكتلة اليسار، فإن فترة الانتظار لمدة عشرة أسابيع، السارية منذ الموافقة على القانون بعد استفتاء عام 2007، هي الأكثر تقييدا في أوروبا، مما يدفع العديد من النساء البرتغاليات إلى إجراء عمليات الإجهاض في بلدان أخرى.

وأكد الحزب الاشتراكي، على لسان النائبة البرلمانية إيزابيل مورييرا، وهي من أبرز المدافعين عن تعديل القانون، أنه يمكن لهذه الفترة القصيرة أن تحدث فرقا كبيرا بالنسبة لآلاف النساء اللاتي أجبرن على السفر إلى الخارج أو متابعة الحمل غير المرغوب فيه، متهمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي بالاصطفاف مع اليمين المتطرف ضد العديد من الأصوات داخل الحزب نفسه.

إلا أن حجج ودفوعات الأحزاب المدافعة عن التعديلات لم تقنع تحالف اليمين الحاكم واليمين المتشدد اللذين اعتبرا أن القانون يمثل خطا أحمر، ليسوا على استعداد لتجاوزه، بحجة أن فترة الإجهاض الطوعي للحمل الحالية تم إقرارها من خلال استفتاء شعبي.

ولفت الحزبان إلى أن تعديل القانون دون إجراء استفتاء جديد سيكون غير ديمقراطي، مسجلين أن السماح بالإجهاض إلى غاية 10 أسابيع المعتمدة حاليا يحقق توازنا مناسبا بين حقوق المرأة وحماية حق الجنين في الحياة.

وتساءل الحزب الديمقراطي الاجتماعي عن سبب عدم تعديل الحزب الاشتراكي للقانون عندما كان في السلطة ويتمتع بالأغلبية في البرلمان، وهو ما ردت عليه النائبة الاشتراكية مورييرا: "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا".

ويرى العديد من المراقبين أن النقاش البرلماني ألقى الضوء على الانقسامات العميقة في المجتمع البرتغالي بشأن قضية الإجهاض. وكما هو الحال غالبا في القضايا المثيرة للجدل، تبدو البلاد في حالة استقطاب، مع آراء متباينة للغاية بين مختلف المجموعات السياسية والاجتماعية.

فقد اعتبر جواو ماسانو، رئيس المجلس الإقليمي لنقابة المحامين في لشبونة، أن هذا الانقسام الأيديولوجي يعكس توجها أوسع في السياسة الحديثة، حيث يبدو أن التوصل إلى توافق بشأن القضايا الحساسة يصعب تحقيقه بشكل متزايد، وإن هذه المحاولة الفاشلة لتعديل قانون الإجهاض تطرح أسئلة مهمة حول تطور الحقوق الإنجابية في البرتغال، متسائلا هل "جمد استفتاء عام 2007 النقاش حول هذا الموضوع إلى أجل غير مسمى؟ أم أنه من المشروع أن يقوم البرلمان بمراجعة التشريع بشكل دوري في ضوء الأدلة العلمية الجديدة والتغيرات الاجتماعية؟" والنقاش لم ينته بعد. إذ تشير الإحصاءات إلى أنه على الرغم من انخفاض عدد حالات الإجهاض في السنوات الأخيرة، إلا أن بعض النساء ما زلن يواجهن عقبات كبيرة في ممارسة هذا الحق.

وفي رأيه، "لا تزال العوائق الجغرافية والتفاوتات الإقليمية في الحصول على خدمات الرعاية الصحية واستنكاف العاملين في مجال الرعاية الصحية في بعض أنحاء البلاد تخلق العديد من الصعوبات".

من جانبها، أوضحت الباحثة البرتغالية، لوسي بيستانا، أن الإجهاض الطوعي في البرتغال يخضع للمادة 142 من القانون الجنائي، حيث يتم بناء على اختيار المرأة بشرط أن يتم في نظام الرعاية الصحية، ويجب أن يتم تحت إشراف طبيب. كما يشترط القانون فترة تفكير لا تقل عن ثلاثة أيام من تاريخ الاستشارة الأولى، وتضيف "يجب ألا تتجاوز مدة الحمل عشرة أسابيع، وهي فترة قصيرة بوضوح، مما يجعل القانون البرتغالي من أكثر القوانين صرامة في دول الاتحاد الأوروبي التي تم تجريم الإجهاض فيها" كما أن نموذج تنظيم الإجهاض في البرتغال هو التجريم مع استثناءات، أي أنه يجرم المرأة التي تجهض ما لم تتوافر جميع هذه الشروط.

ولفتت إلى أن الإجهاض حق محمي في دول مثل فرنسا، النرويج، الدنمارك، ألمانيا، إسبانيا، وإنجلترا، حيث تم توسيع نطاق القوانين لتشمل مددا أطول أو تسهيلات أكبر. في المقابل، يظل القانون في البرتغال متشددا، حيث تجرم النساء اللاتي يجهضن بعد مدة محددة.

ودعت إلى تعديل قانون الإجهاض البرتغالي، وإلغاء تجريمه من قانون العقوبات، وزيادة الفترة القانونية التي تبيح الإجهاض، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات الطبية المتعلقة به، وذلك بهدف ضمان حقوق النساء الإنجابية ومواءمة البرتغال التقدم الأوروبي في هذا المجال.

وبين مؤيد ومعارض هذا القانون، يكشف النقاش الدائر حول الإجهاض في البرتغال عن استمرار التحديات التي تفرضها القضايا الأخلاقية المعقدة على تحقيق التوافق الاجتماعي في بلد يعتبر أن الالتزام بالقيم الديمقراطية واحترام الإرادة الشعبية هو البوصلة التي ينبغي أن توجه قرارات المجتمع في هذا الشأن، لاسيما في ظل الاستقطاب المجتمعي.

اترك تعليقاً