خبراء ضيوف منتدى أصيلا في موسمها ال45 يقاربون علاقة الديمقراطية بقييم العدالة
سلط المشاركون في ثالث ندوات الدورة الخامسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، مساء الجمعة، الضوء على العلاقة بين قيم العدالة والأنظمة الديمقراطية، في سياق دولي متسم بتنامي النزاعات السياسية والصراعات المسلحة والأزمات الاقتصادية.
وشارك في الندوة، التي تندرج ضمن الدورة الثامنة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، نخبة من الشخصيات السياسية والفكرية والأكاديمية المغربية والأجنبية، والتي تطارحت الترابط العضوي بين الديمقراطية، كنموذج أساسي لصون قيم الحرية والمساواة وتعزيز التعددية العقلانية من جهة، والعدالة بمفهومها العالمي المبني على الإنصاف والاعتراف بالحقوق والحفاظ على كرامة الإنسان من جهة أخرى.
في هذا السياق، أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن "نظاما سياسيا ديمقراطيا لا يضمن بالضرورة تحقيق قيم العدالة"، معتبرا أن "النظام الديمقراطي هو الأفضل عندما يترافق ويمتثل لقيم أخلاقية تنبع وتصب في العدالة، والعدالة لا يمكن أن تبقى قيما أخلاقية مجردة تقطن الخطابات فقط، بل تحتاج لتكون عدالة تتمأسس قيمها في الواقع المعيشي للمواطن".
واعتبر الوزير أن "الديمقراطية، كنظام سياسي، وهي تجلب في طياتها كل مبادئ الحرية والمساواة والتعدد والاختلاف داخل تنظيم قائم على قدرة الفرد على الاختيار والمراقبة، فإنها تمتاز كذلك بكونها نظاما هشا يتعرض على الدوام للمخاطر التي تهدده، سواء من خارجه (القوى الاستبدادية) أو من داخله".
وسجل أن "الديمقراطية السياسية غير كافية لتحقيق أهدافها، وأن قيم العدالة ضرورية لدعم مسارها للتحقق على أرض الواقع المعيشي للأفراد والجماعات، فالديمقراطية والعدالة هما سيرورتان متلازمتان لبناء المجتمع الحديث".
من جهته، اعتبر الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أن الغاية من تناول هذا الموضوع، تتمثل في الوصول إلى تشخيص الاختلال الصارخ، بين الحرص على تطبيق قيم العدالة والحق لصالح الأفراد والجماعات في المجتمعات الغربية، التي تصنف نفسها كمجتمعات ديمقراطية، وبين هذا المنطق الغريب، الذي لا يسمح بتمديد تطبيق هذه القيم لتشمل شعوبا ومجتمعات أخرى، تقع جغرافيا وحضاريا وسياسيا، خارج مجال المنظومة الغربية".
وتابع أن "هذه الازدواجية المتناقضة التي تقوم على قاعدة الكيل بمكيالين، تعكس في نظرنا مظهرا من مظاهر الانفصام الأخلاقي، في السلوك الحقوقي للغرب ومواقفه السياسية، إزاء ما حدث ويحدث من مظالم ومآس، وما نراه، اليوم، من أعمال عدوانية وتوسعية، في مناطق مختلفة من العالم، وفي طليعتها منطقتنا العربية".
بدورها، توقفت السيدة سميرة إبراهيم بن رجب، المبعوثة الخاص للديوان الملكي لمملكة البحرين، عند "التناقض الصريح بين محاولات فرض مفهوم الديمقراطية الليبرالية حول العالم، والتنكر الفاضح للعدالة الكونية المزعومة لباقي شعوب العالم"، مستندة في هذا التحليل إلى وقائع تعبر عن ضعف المؤسسات الدولية أمام غطرسة الدول العظمى وتحكمها في عمل هذه المؤسسات الدولية، وفرضها لقرارات أممية دون غيرها على شعوب العالم، واختلالات تطبيق القانون الدولي.
وخلصت إلى أن "الديمقراطية الليبرالية ليست النظام الأمثل لتحقيق العدالة"، معتبرة أن انتهاك القانون الدولي وشلل المؤسسات الأممية وعدم تنفيذ قراراتها وخدمة مجلس الأمن لمصالح الدول العظمى جعلت من العدالة الكونية مجرد "أسطورة".
أما وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدولة العربية، عمر موسى، فقد أكد أن ضمان الحقوق شرط لا غنى عنه لتحقيق الديمقراطية وضمان قيم العدالة والمساهمة في تحقيق الإنصاف، داعيا إلى تغيير النظرة إلى قيم العدالة وإرساء ديمقراطية حقيقية.
في السياق ذاته، دعا وزير الخارجية المصري الأسبق، نبيل فهمي، دول العالم العربي إلى لعب دور إيجابي وفعال في بناء مستقبل أفضل، من خلال العمل الجماعي وتبني سياسات ترتكز على الواقعية والقيم الكونية، مع احترام مبادئ الديمقراطية والعدالة.
أما الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، ميغيل أنخيل موراتينوس، فأكد أن الديمقراطية، التي تشكل مجموعة الأنظمة والآليات السياسية التي تهدف إلى تحقيق العدالة، تمر اليوم بأزمة على المستوى الدولي، لا سيما على مستوى التمثيلية والمشاركة، داعيا في هذا السياق إلى بناء قيم جديدة للديمقراطية والعدالة والتحرك معا لتطبيق هذه القيم بشكل صحيح.
وبالنسبة لوزير التعليم الشيلي السابق، سيرخيو بيطار، توجد علاقة وثيقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، على اعتبار أنه يجب على الديمقراطية أن تحترم حقوق الإنسان، مشددا على ضرورة تعزيز الأنظمة الديمقراطية للدول لبناء ديمقراطية كونية تحترم كرامة كل البشر.
وشدد باقي المتدخلين على ضرورة تعميم قيم الكرامة والحرية وحقوق الإنسان على البشرية جمعاء، مشككين في قدرة الاتجاه الحالي للعولمة على توفير إطار من شأنه تعزيز التضامن الإنساني وفقا لمبدأ العدالة الجماعية.
في هذا الصدد، دعوا إلى إجراء إصلاحات طموحة، حتى تتمكن المؤسسات الدولية من تنظيم الصراعات الدولية وفق منطق الدبلوماسية القائمة على العدالة والمساواة والإنصاف.
وتتطرق ندوات الدورة الخامسة والأربعين لموسم أصيلة الدولي، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من 13 إلى 31 أكتوبر الجاري، إلى "أزمة الحدود في إفريقيا: المسارات الشائكة" (13-14 أكتوبر)، و "النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن" (17-18 اكتوبر)، و "الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟" (21-22 أكتوبر)، و "قيم العدالة والنظم الديمقراطية" (25-26 أكتوبر).
كما تنظم مؤسسة منتدى أصيلة بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ندوتين، الأولى حول موضوع "الذكاء الاصطناعي : أي حكامة في إفريقيا في عصر الرقمنة" (23 أكتوبر)، والثانية حول موضوع " شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية" (28 أكتوبر).